وحين خلا الطريق بطلبة راحت الهواجس تدور بنفسه غاضبة ثائرة على هذا الرجل، الذي يقرض بالربا الفاحش ولا يكتفي بهذا، بل هو في جحود يحلل الذي يفعله وينفي عنه الاعتداء على حدود الله.
عاد الحاج سعيد إلى قراءة المصحف ولم يطل به الوقت؛ فقد أتى إليه ابنه بهجت فختم قراءته والتفت إلى ابنه. - أهلا. أين كنت من الصبح؟ - أقطع الوقت الطويل الممل مع أصحابي. - وماذا بعد؟ - إني أنا الذي أسألك: ماذا بعد؟ - هل أنت مصمم على رفض ما أعرضه عليك؟ - يا أبي، مستحيل! وهل أخذت شهادة الحقوق لأشرف على زراعة الأرض، كان أولى بي أن أبقى هنا، ولا أدخل كلية الحقوق، وإن كان لا بد من تعليم عال كنت أذهب إلى كلية الزراعة، ولو أن هذا مخالف لميولي كل المخالفة. أما الأرض فالبركة فيك وفي أخي مجدي. - كان عندي أمل أن تتخرج بتفوق فتعين في النيابة، ثم تصبح قاضيا. - يا أبي، أنا لا أريد أن أكون قاضيا. - هل هناك خريج حقوق يرفض أن يكون قاضيا؟! - أنا. - عجيبة! - ولا عجيبة ولا حاجة؛ القاضي يظل تلميذا طول حياته. - ماذا؟ ماذا تقول؟! - أليس عليه أن يدرس القضايا وينظر في الأحكام السابقة، ورأي الفقهاء ومختلف التفسيرات للمواد التي تنطبق على القضية؟ ... مصيبة سوداء. - إذن، لماذا وافقت على كلية الحقوق؟ - أولا: إطاعة لك، وثانيا: لم أكن راغبا في دراسة أخرى، وما دام الأمر شهادة فلتكن الحقوق وشأنها عندي شأن أي شهادة أخرى. - إذن، أنت مصمم على وظيفة. - أي وظيفة؛ فإن الفراغ سيقتلني. - لماذا لا تقرأ مثلا؟ - يا أبي، لو كنت أحب القراءة لتخرجت في الكلية بتفوق. أنا لا أجد متعة في القراءة، وكنت أذاكر الكتب وأنا في غاية الضيق بها، فكيف أقرأ باختياري؟ - المهم، ماذا تريدني أن أفعل؟ - ألا تعرف؟ - أعرف وأمري إلى الله، ولو أن كمال باشا ليس في الوزارة الحالية. - كمال باشا وجدي نفوذه خارج الوزارة مثل نفوذه في الوزارة. - على رأيك. - اعمل معروفا يا آبا، إن لم تكن عونا لابنك فلمن تكون؟ - توكل على الله. - متى تسافر؟ - أنا مشغول بكرة وبعده، أسافر بعد ذلك إن شاء الله. - وهو كذلك. - توكل على الله. - المهم يعرف الباشا أنك مهتم بالأمر، وأنك لا ترجوه لمجرد أداء واجب. - ستكون راضيا بإذن الله. - يا رب.
الفصل الثاني
كمال باشا وجدي من الوزراء الذين لا ينتمون لأحزاب، وهكذا كان يصل إلى كرسي الوزارة كلما تألفت وزارة مستقلة، أو إذا أرادت إحدى الوزارات الحزبية أن تستفيد بخبرته الفائقة في شئون البورصات أو الشركات المساهمة.
وقد كان عضوا بكثير من مجالس إدارة الشركات، حتى إذا دخل الوزارة ترك مكانه من مجالس الشركات، التي كانت تصر على أن تحتفظ بكرسيه خاليا حتى يعود إليه.
وأسرة كمال باشا وجدي مكونة من زوجته تفيدة هانم المعايرجي، وهي سيدة واسعة الثراء، وكانت أثيرة لدى زوجها، لا يرد لها طلبا، وكان هو يشرف على أملاكها زراعية كانت أو كانت أموالا سائلة أو أسهما لشركات.
ولكمال باشا ثلاث بنات من زوجته التي لم يتزوج غيرها، هن كريمة وسعدية وميرفت.
وليس لكمال باشا أولاد، وقد كان رجلا منفتح العقل فلم يعنه في شيء ألا يكون له أولاد.
ولما كان يدري أن زوجته تفيدة هانم مشغولة كل الشغل بحياتها الاجتماعية، كما يدري أنه هو أيضا من حياته العامة في زحمة من العمل، ولما كان حريصا أن تكون بناته على درجة عالية من الثقافة وإتقان اللغات، فقد رأى ووافقته زوجته أن يدخل البنات في باكورة حياتهن إلى مدرسة «السكركير» في القسم الداخلي.
ولم يكن أهل ذلك الزمان يعنون أن يحصل البنات على شهادات عالية، خاصة إن كانوا على قدر من الثراء يرفع عن كاهل البنات أن يسعين إلى العمل بشهاداتهن.
Неизвестная страница