بيضاء باكرها النعيم فصاغها
بلباقة فأدقها وأجلها
خضراء العينين، ذات شعر في لون الذهب المشرب بالخمرة، حتى لا تجد له بين صنوف الشعر لونا يصدق عليه، وكانت تطلقه أحيانا فهو موج عربيد، أو تقمعه فهو تاج أشم ذو جلال وهيبة، يزيدها جمالا إن كان جمالها يقبل الزيادة.
وكانت كريستين ابنة عامل في برلين، فهي في حاجة إلى المرتب الذي تتقاضاه من عملها ببيت وحيد، ولم يخف أمرها على وحيد؛ فقد كان الشعب في ألمانيا الشرقية شأن الشعوب التي تظلها الشيوعية، يضيقون بالعيش كما تضيق بهم الحياة، قالت له: أخشى أن تعلم زوجتك بلقاءاتنا. - لا أخفي عليك، أنا أيضا أخاف أن تعلم؛ فإن حياتي وحياة ولدي مرتبطة بها كل الارتباط. - فما هي الغاية من هذه العلاقة التي أراك مصرا عليها كل الإصرار؟ - أنا نفسي لا أدري. - إذن نحاول أن نتباعد. - مستحيل. - إلى هذا الحد؟ - بل أكثر. - أنا أيضا أحببتك، ولا تدهش أنني في سني هذه لم أحب أحدا قبلك، وأنا من المؤمنين بديني إيمانا عميقا خفية، بالرغم من أوامر النظام اللاديني الصارم أن نهجر المسيحية، ولا نؤمن إلا بالشيوعية التي يفرضونها علينا فرضا. - أتقصدين أنك؟ ... أنك ... - قلها ولا تخف؛ نعم أنا عذراء. - عجيبة! - ربما ... لكن لماذا ترى هذا الرأي؟ - فتاة في مثل جمالك، والعذرية عندكم ليس لها القدسية التي عندنا في الشرق جميعه، لا في مصر وحدها. - ربما كنت محقا، ولكنني في حقيقتي وفي أعماقي مؤمنة، وديننا يرفض الزنا كما ترفضه الأديان السماوية جميعا؛ ولذلك فليس عجيبا أن أكون عذراء. - وأنت على هذا الجمال؟ - ربما كان جمالي هو السبب بجانب مسيحيتي؛ فقد ضننت بهذا الجمال أن أبيحه لأحد، أنا لا أحبه، مهما أحبني هو وألح في ملاحقتي. - إذن فلا بد للعلاقة بيننا أن تأخذ صورة رسمية. - أما وقد ظللت عذراء حتى الآن، فمن الطبيعي ألا أبذل عذريتي إلا لزوجي. - أنت تعلمين أن الرجل في ديننا له أن يتزوج زوجتين. - وأربع زوجات. هذا أمر لا يجهله أحد من أي دين، سواء كان مسلما أو لم يكن. - ولكنك لا تعرفين أنني إذا تزوجت أجنبية أفقد وظيفتي في السلك الدبلوماسي. - أما هذه فلا أعرفها. - وإذا أردت أن أتزوجك فلا بد أن يتم الزواج في السفارة. - هذا طبيعي. - ومعنى هذا ألا نقيم هنا. - أنا مستعدة أن أذهب معك إلى أي مكان ليس عن حب فقط، وإنما لأن أي مكان في العالم خير من حياتنا القاسية التي نحياها هنا. - فأنت موافقة أن تكوني زوجة ثانية؟ - هذا لا يعني عندي شيئا. - إذن فلا بد أن ننتظر. - ماذا؟ - حتى ننتقل إلى مصر، وهناك أستطيع أن أجعل زواجنا رسميا وإن لم يكن معلنا، هل تقبلين أن تعتبريني خطيبك فترة وجودنا هنا.
على أن تكون علاقتنا علاقة خطيب بخطيبة لا أكثر؟ - هذا صعب بالنسبة لي، ولكن أعدك بألا أحاول أن أضغط عليك.
وهكذا ظلت علاقة وحيد وكريستين نقية، ومكن لها هذا أن تتخفى على العيون، فاللقاء بينهما عابر، ويسير أن يكون بأي مكان، وأحب فريد وصبحي مربيتهما مما جعل سعدية تتمسك بها، ولو أنها دهشت حين سألتها: كريستين أتأتين معنا إذا رجعنا إلى مصر؟ - أنا فعلا أصبحت أشعر كأنكم أسرتي، وأبي هنا معه إخوتي، وأستطيع أن أرسل له المال من أي مكان. - إذن تأتين معنا. - طبعا.
الفصل الرابع عشر
أنجبت كريمة ولدا وأصرت أن تسميه عطاء، في محاولة أن تشكر باسمه الله سبحانه وتعالى على عطائه.
وكان بهجت أشد الناس فرحا؛ فقد أصبح عطاء وثاقا جديدا يشد إليه كريمة، هذا إلى جانب السعادة التي يشعر بها أي أب بأول مولود له.
وتمر الشهور وبهجت على حاله في الوزارة والشركة، وقد بدأت سمعته في الوزارة تتناقلها الألسنة، وهو ماض في قبول الرشوة بمبالغ كبيرة، لدرجة أن زوجته كريمة كانت تعجب من وفرة المال عنده، مع أنها تعلم أنه لا يملك إلا مرتبيه، وما كانا يتيحان له هذا البذخ في الإنفاق.
Неизвестная страница