وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((سيد طعام الدنيا والآخرة اللحم)) وقال أيضا: ((سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم)) فسماه طعاما وجعله إداما فثبت كون اللحم مما يطلق عليه لفظ الطعام، يزيد وضوحا أن الله تعالى قال: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل}[آل عمران:93] ثم استثنى منه ما حرمه إسرائيل على نفسه، فلولا دخوله تحته لما صح استثناؤه منه، وحمل لفظ الطعام أكثر أئمتنا على أن المراد به الحبوب، قالوا للعرف، وقولهم هذا فيه بعد؛ لأنه إذا كان حقيقة في أصل اللغة فيما يتطعم ولا دلالة تدل على ما ادعوه من العرف وجب حمله على الحقيقة المعلومة وهو ما ذكرنا؛ لأن الله تعالى خاطب العرب بلغتهم فقال: {بلسان عربي مبين}[الشعراء:195] فوجب أن يجري في خطابه على طريقتهم، وإلا خرج عن كونه تعالى مخاطبا لهم بلغتهم، فإن قيل: إنه قد أكثر استعمال هذه اللفظة في الحبوب حتى صار حقيقة عرفية لسبق ذلك إلى الأفهام لم نسلم ذلك؛ لأن استعمال أهل اللغة للفظ الطعام فيما يطعم ويؤكل إن لم يزد على استعمالهم بالحبوب لم ينقص عنه، ثم لو سلمنا أنه حقيقة فيهما جميعا لوجب حمل الخطاب عليه؛ لأنه يجب حمل كلام الحكيم على ما أمكن من الفوائد؛ لأنه لا تنافي في الحقيقتين إن صح ولا بين إرادتيهما ولا ما يجري مجرى التنافي، وفيه صحة ما ذكرناه من جواز أكل ذبائح اليهود والنصارى مع أن حمله على الحبوب يبطل حكم الصفة، وبيانه أنه علق التحليل بالصفة وهي كونهم أهل كتاب، وذلك يدل على نفي التحليل في حبوب من عداهم من الكفار كعبدة الأوثان والمجوس ومن جرى مجراهم، والإجماع المعلوم يبطل ذلك فإنه منعقد على أنه يجوز لنا حبوب جميع الكفار، فكان يبطل فائدة الآية ومعلوم خلافه.
Страница 77