فيجب أن يكون تقويم الشعر على هذه الصفة: أن يكون مرتبا فيه، أول ووسط وآخر؛ وأن يكون الجزء الأفضل فى الأوسط؛ وأن تكون المقادير معتدلة؛ وأن يكون المقصود محدودا لا يتعدى ولا يخلط بغيره مما لا يليق بذلك الوزن؛ ويكون بحيث لو نزع منه جزء واحد فسد وانتقض، فان الشىء الذى حقيقته الترتيب إذا زال عنه الترتيب لم يفعل فعله. وذلك لأنه إنما يفعل لأنه كل، ويكون الكل شيئا محفوظا بالأجزاء، ولا يكون كلا عندما لا يكون الجزء الذى للكل.
واعلم أن المحاكاة التى تكون بالأمثال والقصص ليس هو من الشعر بشىء، بل الشعر إنما يتعرض لما يكون ممكنا فى الأمور وجوده أو لما وجد ودخل فى الضرورة. وإنما كان يكون ذلك لو كان الفرق بين الخرافات والمحاكيات الوزن فقط. وليس كذلك، بل يحتاج إلى أن يكون الكلام مسددا نحو أمر وجد أو لم يوجد. وليس الفرق بين كتابين موزونين لهم: أحدهما فيه شعر، والآخر فيه مثل ما فى «كليلة ودمنة» وليس بشعر بسبب الوزن فقط حتى لو لم يكن لما يشاكل «كليلة ودمنة» وزن، صار ناقصا لا يفعل فعله، بل هو يفعل فعله من إفادة الآراء التى هى نتائج وتجارب أحوال تنسب إلى أمور ليس لها وجود وإن لم يوزن. وذلك لأن الشعر إنما المراد فيه التخييل، لا إفادة الآراء، فان فات الوزن نقص التخييل. وأما الآخر فالغرض فيه إفادة نتيجة التجربة، وذلك قليل الحاجة إلى الوزن. فأحد هذين يتكلم فيما وجد ويوجد، والآخر يتكلم فيما وجوده فى القول فقط. ولهذا صار الشعر أكثر مشابهة للفلسفة من الكلام الآخر، لأنه أشد تناولا للموجد وأحكم بالحكم الكلى. وأما ذلك النوع من الكلام فانما يقول فى واحد على أنه عارض له وحده؛ ويكون ذلك الواحد قد اخترع له اسم واحد فقط، ولا وجود له. — ونوع منه يقول فى اقتصاص أحوال جزئية قد وجدت، لكنها غير مقولة على نحو التخييل.
Страница 183