والبحث الثالث هو أن المنعكس عن الشىء الذى قد فارقه وواصل غيره ثم يرى به صورتهما معا لا يخلوا إما أن تكون مفارقة الشعاع المنعكس لا توجب انسلاخ صورة المحسوس عن الشعاع أو توجب، فإن كانت لا توجب فكيف لا نرى ما أعرضنا عنه وفارقه الشعاع؟ فإنا لا نعرف هناك علة إلا أن الشعاع استبدل به موقعا غيره، وإن كانت المفارقة توجب انسلاخ تلك الصورة عنه ففى الوقت الواحد كيف نرى المرآة والصورة معا؟ فإن كان القائم على المرآة من الشعاع يرى صورة المرآة والزائل عنها إلى شىء آخر يرى صورة ذلك الشىء فقد اختص بكل واحد من المبصرين جزء من الشعاع، فيجب أن لا يريا معا، كما أن الشعاع الواقع على زيد والشعاع الواقع على عمرو فى فتح واحد من العين معا لا يوجب أن يتخيل المرئى من زيد مخالطا للمرئى من عمرو، فإن قيل إن السبب فيه أن ذلك الشعاع يؤدى الصورة من طريق ذلك الخط إلى النفس، فيكون خط واحد يؤديهما معا وما تأدى من خط واحد رؤى واحدا فى الوضع، قيل أما أولا فقد أبطلت مذهبك ومنعت أن يكون الخط الخارج مبصرا من خارج بل مؤديا، وأما ثانيا فإنه ليس يمتنع أن يخرج خط ثان يلاقى الخط المنعكس ويتصل به، فإن كان إنما يؤدى بما يتصل به من الخطوط ثم تحس القوة التى فى العين لا الخارجة فحينئذ كان يجب أن يرى الشىء من الخطين معا، فيرى الصورة مع صورة المرآة ومع غير تلك الصورة، وكان يجب أن يتفق مرارا أن يرى الشىء متضاعفا لا بسبب فى البصر ولكن لاتصال خطوط شتى بصرية بخط واحد، وهذا مما لا يكون ولا يتفق، فإنا إنما يمكننا أن نرى الشىء فى المرآة ونراه وحده إذا كان مقابلا للبصر، وأما إذا لم يكن مقابلا فإنا نراه فى المرآة فقط،
Страница 134