من الناس من ظن أن النور الذى يشرق من المضىء على الأجسام ليس كيفية تحدث فيها بل أجساما صغارا تكون منفصلة من المضىء فى الجهات ملازمة لأبعاد مفروضة عنه تنتقل بانتقاله فتقع على الأجسام فتستضىء بها، ومن الناس من ظن أن هذا النور لا معنى له البتة وإنما هو ظهور من الملون، بل من الناس من ظن أن الضوء فى الشمس ليس إلا شدة ظهور لونها لكنه يغلب البصر، فيجب علينا أولا أن نتأمل الحال فى هذه المذاهب، فنقول إنه لا يجوز أن يكون هذا النور والشعاع الواقع على الأجسام من الشمس والنار أجساما حاملة لهذه الكيفية المحسوسة لأنها إما أن تكون شفافة فلا يخلوا إما أن يزول شفيفها بتراكمها كما تكون الأجزاء الصغار من البلور شفافة ويكون الركام منها غير شفاف وإما أن لا يزول شفيفها، فإن كانت شفافة لا يزول شفيفها لم تكن مضيئة إذ قد فرغنا من الفرق بين الشفاف وبين المضىء وإن كانت تعود بالارتكام غير شفافة كان ارتكامها يستر ما تحتها وكلما ازدادت ارتكاما ازدادت سترا، والضوء كلما ازداد ارتكاما - لو كان له ارتكام - ازداد إظهارا للون، وكذلك إذا كانت هذه المضيئات فى الأصل مضيئات غير شفافة كالنار وما أشبهها، فبين أن الشعاع المظهر للألوان ليس بجسم، ثم لا يجوز أن يكون جسما ويتحرك بالطبع إلى جهات مختلفة، ثم إن كانت هى أجساما تنفصل من المضىء وتلقى المستنير فإذا غمت الكوة لم يخل إما أن يتفق لها أن تعدم أو تستحيل أو تسبق الغام، والقول بسبق الغام اعتساف فإن ذلك أمر يكون دفعة، والعدم أيضا بالستر من ذلك الجنس فإنه كيف يحكم أن جسما إذا تخلل بين جسمين عدم أحدهما، وأما الاستحالة فتوجب ما قلناه وهو أنها تستنير بمقابلة النير فإذا غم استحالت، فما الحاجة - إن كان الأمر على هذا - إلى مسافرة أجسام من جهة المنير ولم لا تكون هذه الأجسام تستحيل بنفسها بالمقابلة تلك الاستحالة، وأما الحجج التى تعلق بها أصحاب الشعاع فمن ذلك قولهم إن الشعاع لا محالة ينحدر من عند الشمس ويتجه من عند النار، وهذه حركة، ولا حركة إلا للجسم، وأيضا فإن الشعاع ينتقل بانتقال المضىء، والانتقال للجسم، وأيضا فإن الشعاع يلقى شيئا فينعكس عنه إلى غيره، والانعكاس حركة جسمانية لا محالة، وهذه القياسات كلها فاسدة ومقدماتها غير صحيحة، فإن قولنا الشعاع ينحدر أو يخرج أو يدخل ألفاظ مجازية ليس من ذلك شىء بل الشعاع يحدث فى المقابل دفعة، ولما كان يحدث عن شىء عال توهم كأنه ينزل، وأن يكون على سبيل الحدوث فى ظاهر الحال أولى من النزول إذ لا يرى ألبية فى الطريق ولا يحتاج إلى زمان محسوس، فلا يخلوا إما أن يكون البرهان دل على انحداره - وأنى لهم بذلك - وإما أن يكون الحس هو الدال عليه وعليه معولهم، وكيف يدل الحس على حركة متحرك لا يحس زمانه ولا يحس فى وسط المسافة، وأما حديث انتقال الشعاع فليس هو بأكثر من انتقال الظل، فيجب أن يكون الظل أيضا جسما ينتقل، وليس ولا واحد منهما بانتقال بل بطلان وتجدد، فإنه إذا تجددت الموازاة تجدد ذلك، فإن ارتكب مرتكب أن الظل أيضا ينتقل فليس يخلوا إما أن ينتقل على النور وإما أن يكون النور ينتقل أمامه وخلفه، فإن كان ينتقل على النور ويغطى النور فلنفرض النور المغشى لجميع الأرض لا انتقال له وإنما يغطيه الظل، فيكون دعوى انتقال النور قد فسد، وإن كان النور ينتقل أمام الظلمة حتى تنتقل الظلمة فلنفرض المضىء واقفا، ومعلوم أنه إذا كان واقفا وقف معه النور، وهذا يدعوا إلى أن تكون حركة ذى الظل سببا لطرد النور وتمكن عدة منهم أن يطردوا النور أيضا من الجهات المختلفة والمضىء واقف فيظلم الموضع حينئذ، أو يكون للنور إذا هرب من الظل طفر من خلف فعاد إلى حيث فارقه الظل، وهذه كلها خرافات، بل لا الظل يفسخ النور ولا هو ولا النور بجسم، وإن كان لهما انتقال فذلك بالتجدد لا أن شيئا واحدا بعينه ينتقل، وانعكاس الشعاع أيضا لفظ مجازى، فإن من شأن الجسم إذا استنار وكان صقيلا أن يستنير عنه أيضا جسم يحاذيه من غير انتقال البتة،
Страница 98