وحرى بنا أن نتكلم فى الإبصار، والكلام فيه يقتضى الكلام فى الضوء والمشف واللون وفى كيفية الاتصال الواقع بين الحاس والمحسوس البصرى، فلنتكلم أولا على الضوء، فنقول إنه يقال ضوء ويقال نور ويقال شعاع، ويشبه أن لا يكون بينها فى وضع اللغة كثير تفاوت، لكنا نحتاج فى استعمالنا إياها أن نفرق بينها لأن هاهنا معانى ثلاثة متقاربة، أحدها الكيفية التى يدركها البصر فى الشمس والنار من غير أن يقال إنه سواد أو بياض أو حمرة أو شىء من هذه الألوان، والثانى الأمر الذى يسطع من هذا الشىء فيتخيل أنه يقع على الأجسام فيظهر بياض وسواد وخضرة، والآخر الذى يتخيل على الأجسام كأنه يترقرق وكأنه يستر لونها وكأنه شىء يفيض منها، فإن كان فى جسم قد استفاد ذلك من جسم آخر سمى بريقا كما يحس فى المرآة وغيرها، وإن كان فى الجسم الذى له بذاته سمى شعاعا، ولسنا نحتاج الآن إلى الشعاع والبريق بل نحتاج إلى القسمين الأولين، فليكن أحدهما - وهو الذى للشىء من ذاته - ضوءا وليكن المستفاد نورا وهذا الذى نسميه ضوءا مثل الذى للشمس والنار فهو المعنى الذى يرى لذاته، فإن الجرم الحامل لهذه الكيفية إذا وجد بين البصر وبينه شىء كالهواء والماء رؤى ضرورة من غير حاجة إلى وجود ما يحتاج إليه الجدار الذى لا يكفى فى أن يرى على ما هو عليه وجود الهواء والماء وما يشبههما بينه وبين البصر بل يحتاج إلى أن يكون الشىء الذى سميناه نورا قد غشيه حتى يرى حينئذ، ويكون ذلك النور تأثيرا من جسم ذى ضوء فيه إذا قابله وكان بينهما جسم ليس من شأنه أن يحجب تأثير المضىء فى قابل النور كالهواء والماء فإنه يعين ولا يمنع،
Страница 92