عن المادة، فتكون النفس قد كفيت المؤونة فى تجريدها، والنفس تتصور ذاتها وتصورها ذاتها يجعلها عقلا وعاقلا ومعقولا، وأما تصورها لهذه الصور فلا يجعلها كذلك، فإنها فى جوهرها فى البدن دائما بالقوة عقل وإن خرج فى أمور ما إلى الفعل، وما يقال من أن ذات النفس تصير هى المعقولات فهو من جملة ما يستحيل عندى، فإنى لست أفهم قولهم إن شيئا يصير شيئا آخر ولا أعقل أن ذلك كيف يكون، فإن كان بأن يخلع صورة ثم يلبس صورة أخرى ويكون هو مع الصورة الأولى شيئا ومع الصورة الأخرى شيئا فلم يصر بالحقيقة الشىء الأول الشىء الثانى، بل الشىء الأول قد بطل وإنما بقى موضوعه أو جزء منه، وإن كان ليس كذلك فلننظر كيف يكون، فنقول إذا صار الشىء شيئا آخر فإما أن يكون إذ هو قد صار ذلك الشىء موجودا أو معدوما، فإن كان موجودا فالثانى الآخر إما أن يكون موجودا أيضا أو معدوما، فإن كان موجودا فهما موجودان لا موجود واحد، وإن كان معدوما فقد صار هذا الموجود شيئا معدوما لا شيئا آخر موجودا، وهذا غير معقول، وإن كان الأول قد عدم فما صار شيئا آخر بل عدم هو وحصل شىء آخر، فالنفس كيف تصير صور الأشياء؟، وأكثر ما هوس الناس فى هذا هو الذى صنف لهم إيساغوجى، وكان حريصا على أن يتكلم بأقوال مخيلة شعرية صوفية يقتصر منها لنفسه ولغيره على التخيل، ويدل على ذلك أهل التمييز كتبه فى العقل والمعقولات وكتبه فى النفس، نعم إن صور الأشياء تحل النفس وتحليها وتزينها وتكون النفس كالمكان لها بتوسط العقل الهيولانى، ولو كانت النفس صارت صورة شىء من الموجودات بالفعل، والصورة هى الفعل وهى بذاتها فعل، وليس فى ذات الصورة قوة قبول شىء - إنما قوة القبول فى القابل للشىء - وجب أن تكون النفس حينئذ لا قوة لها على قبول صورة أخرى وأمر آخر، وقد نراها تقبل صورة أخرى غير تلك الصورة، فإن كان ذلك الغير أيضا لا يخالف هذه الصورة فهو من العجائب، فيكون القبول واللا قبول واحدا، وإن كان يخالفه فتكون النفس لا محالة - إن كانت هى الصورة المعقولة - قد صارت غير ذاتها، وليس من هذا شىء، بل النفس هى العاقلة، والعقل إما أن يعنى به قوتها التى بها تعقل، أو يعنى به صور هذه المعقولات فى نفسها، ولأنها فى النفس تكون معقولة فلا يكون العقل والعاقل والمعقول شيئا واحدا فى أنفسنا، نعم هذا فى شىء آخر يمكن أن يكون على ما ستلمحه فى موضعه، وكذلك العقل الهيولانى إن عنى به مطلق الاستعداد للنفس فهو باق فينا أبدا ما دمنا فى البدن، وإن عنى بحسب شىء شىء فإن الاستعداد يبطل مع وجود الفعل،
Страница 241