فمنهم من يرى حركاتها حادثة عن حركات قبلها بلا نهاية، كل حركة عن صدمة عن حركة عن صدمة، وأنها ربما ارتبكت واجتمعت فتحابست عن الحركة.
ومنهم من يرى لبعض أشكالها خفة، ولبعضها ثقلا. وكلهم لا يرون لطبائع هذه الأجرام كونا ولا فسادا. ولكنهم يرون أن للمركبات منها كونا وفسادا، وأن كونها عنها وفسادها إليها، وأن الكون هو باجتماعها، و أن فسادها بافتراقها، وأن استحالتها باختلاف الوضع والترتيب لتلك الأجزاء فى المجتمع منها.
أما الترتيب فمثاله أن هذه الأجزاء لو كانت حروفا مثلا، فوقع منها ترتيب فى الجهات على مثال هجاء مليك، ثم حال التركيب، فصار على هجاء كليم. فحينئذ
لم يكن عندهم قد فسد؛ إذ لم يتفرق. ولكن يكون عندهم قد استحال. وأما الوضع فأن يكون مثلا كلاهما مليكا، لكن أحدهما قد كتب فيه الحروف على الترتيب المكتوب وجهات رءوس الحروف تلك الجهات لها، والآخر إن حرفت أوضاع الحروف عن ذلك، فكتب مثلا هكذا م يك، حتى صارت اللام جهتها إلى غير جهة الكاف.
وهؤلاء قد تعدوا هذا إلى أن جعلوا الاستحالة أمرا بالقياس إلى الإدراك والإحساس، لا على أنها موجودة فى طبائع الأمور .وقالوا، وذلك كاللون المحسوس فى طوق الحمامة. فأنه إذا كان على وضع ما من الناظر إليه رؤى اسود، وإذا صار له منه وضع آخر رؤى أرجوانيا، وأنه ليس فى نفسه سوادا ولا أرجوانية؛ بل ذلك له بالقياس إلى الناظر.
Страница 84