فما يدل على فساد هذا المذهب أن جيلا من كبريت تمسه نار صغيرة قدر شعلة مصباح ثم تنحى عنه بعجلة مبعدة، فيشتعل كله نارا. فإن كانت الاستحالة إنما هى ورود المخالط من المجاور، فيجب أن يكون الوارد عليه لا أكثر من جميع تلك الشعلة؛ بل نعلم أن المماسة لن تقع غلا فى زمان غير ذى قدر. والمنفعل عن الشعلة المداخل للكبريت لن يكون، إن كان، إلا جزءا لا قدر له. فهذا الآخر كله إما أن يكون حادثا عن الاستحالة، أو يكون على سبيل الكمون المذكور. وقد بطل الكمون فبقيت الاستحالة.
وإن كانت الناراليسيرة القد تفعل تسخينا وإحراقا شديدا لشدة قوتها فعود الشىء إلى البرد لا يخلو إما أن يكون بمفارقة تلك النار اليسيرة، فيجب أن لا يكون نقصان الحجم الكائن عند البرد أمرا محسوسا؛ بل بقدر ما انفصل. وإن كان بورود البارد، ويحتاج ضرورة إلى بارد كثير حتى يغلب تلك النار اليسيرة أو يخرجها، فيجب أن يكون المقدار محفوظا، إن لم يكن زايدا، اللهم إلا أن تجعل النارية إذا انفصلت استصحبت شيئا كثيرا من الجسم. فما بالها، إذا سخنت مرة أخرى وجاءت يسيرة صرفة, وليس معها الرقيق المستصحب أعادت ذلك الحجم بحاله؟ وإن كان الجمد إذا وضع عليه شئ فبرد ذلك الشئ تتحلل أجزاء منه ومخالطة إياه، وكان المداخل يطرد مثل نفسه وجب أن تحفظ الحجم أو يطرد أكثر من نفسه وجب أ، يكون المعيد إلى الحالة الأولى بالمخالطة حارا أكثر من البارد الداخل؛ فكان الحار أضعف، فى القوة، من البارد.
Страница 109