وأما المركبة فلا شك أنها من حيث هى مركبة فقد تكونت بعد ما لم تكن، فيجب أن يكون فى طباعها، لا محالة، أن تفسد؛ إذ قد بىنا لك أن كل كائن جسمانى فاسد.
فقد اتضح من هذا أن الكون والفساد موجود. وقد كان اتضح لك قبل ذلك الفرق بىن الكون وبين الاستحالة، وبين النمو والذبول فى ماهياتها. وإنما بقى لك الآن تعرف وجود كل واحد منها.
فمن الناس من منع وجود جميع ذلك؛ بل منع وجود الحركة. أما من أبطل الحركة المكانية والوضعية فلا كثير فائدة لنا فى الاشتغال بمناقضته، وإن كانت العادة قد جرت بها. فإن لنا، بمناقضيه آراء قيلت فى أمور ليس الحكم فيها يبين، شغلا شاغلا عن تكلف ما بيان وجوده يغنى عن إبانته. وأما هذه الباقية فإن الشغل فى إبانة وجودها مما ينبغى أن ىعتد به.
فقد منع قوم الكون، وزعموا أن البسائط، مثل الأرض والنار والهواء والماء، فإن جواهرها لا تفسد، بل لاشىء منها يوجد صرفا فى طبيعته، بل هو مركب من الطبيعة التى ينسب إليها ومن طبايع أخرى. لكنه إنما يسمى بالغالب .فلا أرض صرفا ولا نار صرفا، ولا ماء صرفا ولا هواء صرفا؛ بل كل واحد منها مختلط من الجميع، و يعرض له فى وقت ملاقاة غيره إياه مما الغالب فيه غير الغالب فيه، أن يبرز ويظهر فيه ما هو مغلوب لملاقاة الذى من جنس المغلوب فيه غالب، وظهوره بأن يتحرك إلى مقاومة ما غلبه وعلاه، فيستعلى عليه. وإذا تحرك إلى ذلك عرض للنظام الذى كان يحصل باجتماع الغوالب والمغلوبات أن يحيل ويستحيل.
Страница 79