وأيضا فإن العقل قبل القوة بالكمال والغاية، فإن القوة نقصان والفعل كمال، والخير في كل شيء إنما هو مع الكون بالفعل؛ وحيث الشر فهناك ما بالقوة بوجه ما، فإن الشيء إذا كان شرا فإما أن يكون لذاته شرا ومن كل وجه، وهذه محال. فإنه إن كان موجودا فمن حيث هو موجود ليس بشر، وإنما يكون شرا من حيث هو فيه عدم كمال مثل الجهل للجاهل، أو لأنه يوجب في غيره ذلك مثل الظلم للظالم. فالظلم إنما هو شر لأنه ينتقص من الذي فيه الظلم طبيعة الخير، ومن الذي عليه الظلم السلامة أو الغنى، أو غير ذلك. فيكون من حيث هو شر مشوبا بعدم وبشيء بالقوة، ولو أنه لم يكن معه ولا منه ما بالقوة لكانت الكمالات التي تجب للأشياء حاضرة فما كان شرا بوجه من الوجوه. فبين أن الذي بالفعل هو الخير من حيث هو كذلك، والذي بالقوة هو الشر أو منه الشر. واعلم أن القوة على الشر خير من الفعل، والكون بالفعل خيرا خير من القوة على الخير، ولا يكون الشرير شريرا بقوة الشر، بل بملكة الشر. ونرجع إلى ما كنا فيه، فنقول: قد علمت حال تقدم القوة مطلقا، وأما القوة الجزئية فيتقدم الفعل الذي هو قوة عليه، وقد يتقدمها فعل مثل فعلها حتى تكون القوة منه، ولا يجب لكن يكون معها شيء آخر به تخرج القوة إلى الفعل وإلا لم يكن الفعل البتة بموجود. إذ القوة وحدها لا تكفي في أن تكون فعل، بل تحتاج إلى مخرج للقوة إلى الفعل. فقد علمت أن الفعل بالحقيقة أقدم من القوة، وأنه هو المتقدم بالشرف والتمام.
الفصل الثالث (ج)
Страница 93