بعدي إلا هالك ... " وفيه: "عليكم بما عرفتم من سنتي" (^١).
فهذه الأحاديث تبيِّن أنَّ رسولَ الله ﷺ حذَّر الأمةَ الأُمور المحدثَة، وبيَّن أنها ضلالة، وأن من أحدثَ في أمر الدين ما ليس منه فهو رد، وهذه الجملة لا تنحصر دلائلُها، وكثرةُ وصايا السلف بمضمونها، وكذلك الأدلةُ على لزوم طريقةِ الصحابةِ والتابعين لهم بإحسان، ومجانبة ما أُحْدِث بعدهم كثيرة جدًّا.
واذا كان كذلك، فهذه الحِيَل من الأمور المحدَثة بلا شك ولا رَيْب، ومن البدع الطارئة.
أما الافتاءُ بها وتعليمُها للناس؛ فأول ما حدث في أواخر عصر التابعين (^٢) بعد المئة الأولى بسنين كثيرة، وليس فيها - ولله الحمد - حيلة واحدة (^٣) تُؤْثَر عن أصحاب رسول الله، بل المأثور عن الصحابة أنهم كانوا إذا سُئلوا عن فعل شيءٍ من ذلك حذَّروا منه وزجروا عنه، وفي هذا الكتاب (^٤) عن الصحابة ما يُبَيِّن ذلك.
وأما فِعْلها من بعض الجهال؛ فقد كان يصدر منه قليل في العصر الأول، ولكن يُنكره الفقهاء من الصحابة والتابعين، كما كانوا يُنكرون عليهم الكذب، والرِّبا (^٥) وسائر المحرَّمات.
_________
(^١) هذا لفظ أحمد رقم (١٧١٤٢)، وابن ماجه (٤٣) وغيرهما.
(^٢) تعبير شيخ الإسلام: "في أواخر عصر صغار التابعين".
(^٣) الأصل: "واحد".
(^٤) أي: في مسألتي العينة والتحليل، كما في "الإبطال": (ص/ ١٢١).
(^٥) تحتمل في الأصل: "الزنا" وهو كذلك في نسخة في "الإبطال".
1 / 63