ففي سنة إحدى وخمسين مات الحكم بن عمرو الغفاري١ عامل خراسان لزياد بن أبي سفيان، أمير العراق، وكان قد استخلف قبل وفاته أنس بن أبي أناس الكناني٢ وكتب بذلك إلى زياد، فعزل أنسا، ووليد خليد بن عبد الله الحنفي، فغضب أنس غضبا شديدا، وهتف بهذه الأبيات مصورا سخطه على سياسة زياد، ورأيه في بني حنيفة، وكيف أنهم لم يكونوا يصلحون للولاية والحكومة، بل للحرث والزرع وفيها يقول٣:
ألا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة يخب بها البريد٤
أتعزلني وتطعمها خليدا ... لقد لاقت حنيفة ما تريد
عليكم باليمامة فاحرثوها ... فأولكم وآخركم عبيد
ولما توفي يزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، وقتل يزيد بن زياد بسجستان، وأسر أخوه أبو عبيدة بها أيضا٥، أخفى سلم بن زياد هذه الأخبار السيئة عن العرب بخراسان، لكيلا يموجوا ويضطربوا. فبلغت بعضهم، ومنهم ابن عرادة الشاعر، فصاح بمقطوعة أخذ فيها على سلم إخفاءه الأخبار والأسرار عنهم، وإيصاده بابه من دونهم، وأعلمه أنهم يعرفون كل ما وقع، وما بدا معه، أن دولة بني أمية انتقضت أركانها انتقاضا، إذ يقول له فيها٦:
يا أيها الملك المغلق بابه ... حدثت أمور شأنهن عظيم
قتلى بجنزة والذين بكابل ... ويزيد أعلن شأنه المكتوم٧
_________
١ انظر ترجمته في طبقات ابن سعد ٧: ٣٦٦، والتاريخ الكبير ١: ٢: ٣٢٨، والجرح والتعديل ١: ٢: ١١٩، والاستيعاب ص: ٣٥٦، وأسد الغابة ٢: ٣٦، والبداية والنهاية ٨: ٤٧، والإصابة ١: ٣٤٦، وتهذيب التهذيب ٢: ٤٣٦، وتقريب التهذيب ١: ١٩٢.
٢ انظر ترجمته في الشعر والشعراء ص: ٧٣٧، والإصابة ١: ٦٩، وخزانة الأدب ٣: ١٢٠.
٣ الطبري ٧: ١٥٥.
٤ المغلغة: الرسالة. يخب: يسرع.
٥ الطبري ٧: ٤٨٨.
٦ الطبري ٧: ٤٨٨، وابن الأثير ٤: ١٥٤.
٧ جنزة: مدينة بأرمينية. وكابل: ولاية من ثغور طخارستان.
1 / 82