التهويل والتضخيم، ويحكم بها لا على فترة بعينها، ولا على عامل بمفرده، بل على كل العهود، وعلى جميع الولاة.
ومما يؤخذ عليه أنه يقيس أحوال خراسان بأحوال سمرقند وبخارى قياسا فاسدا مردودا، لأن سمرقند١ وبخارى تختلفان كل الاختلاف عن خراسان، إذ كانتا مصدر شغب لا ينقطع، وموطن ثورة دائمة. بحيث اضطر معظم عمال خراسان إلى تسيير الحملات المتكررة إليها، لإعادة فتحها، والتمكين للوجود العربي فيهما تمكينا شديدا، وكان من نتائج ذلك أن تجبر العرب على أهلها، وتعسفوا بعض التعسف في جمع الجزية والخراج من سكانها، كما أن من أسلموا من هذين المصرين من أهل الذمة لم يسلموا حبا في الإسلام، بل رغبة في أن تسقط الجزية عنهم. أما الحال بخراسان فكانت مباينة لذلك أوضح المباينة إذ لم يتمرد أهلها، ولم يتظلموا إلا قليلا، بل نادرا، مما كان يستدعي بالضرورة أن يترفق العرب بهم، ويتسامحوا معهم.
وثمة ملاحظتان أخريان جديرتان بالتنويه، الأولى أن العرب لم يفرضوا على أهل خراسان ضرائب جديدة، وإنما اتبعوا النظام الذي كان مطبقا في أثناء حكم الفرس لهم، فضريبة التاج التي كان ملاك الأرض يدفعونها للفرس تساوي الخراج الذي كانوا يدفعوه للعرب، وضريبة الرأس التي كانوا يؤدونها للفرس تقابل الجزية التي كانوا يؤدونها للعرب، فكأن العرب لم يستحدثوا شيئا، ولم يكلفوا أهل خراسان أكثر مما كلفهم به الفرس٢. يضاف إلى ذلك أنهم كانوا إذا فتحوا مقاطعة أو مدينة يستبقون ملكها أو دهقانها عليها، ويعهدون إليه بتصريف أمورها، مع تعيين عامل عربي لها٣. ويشبه أن يكون هذا التدبير إجراء إداريا مؤقتا، قصد منه إلى تيسير حكم العرب لخراسان، عند فتحهم لها، ولا يرتفع إلى أن يكون حلا سليما تاما دائما لمشكلات أهل خراسان الموروثة. وكان على العرب، بعد استقرارهم بخراسان، وطال عهدهم بها، وعرفوا مشكلات أهلها، أن يصلحوا قوانينها الاقتصادية، وأن يغيروا تقاليدها الاجتماعية، وفقا لمبادئ الإسلام السديدة، وتعاليمه الرشيدة.
_________
١ الطبري ٩: ١٥١٢.
٢ مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص: ٧١.
٣ الطبري ٨: ١٢٠٩، وابن الأثير ٤: ٥٤٤.
1 / 73