وجعلهم يحالفون الأزد في البصرة وخراسان، ويشكلون معهم جبهة معارضة للمضريين، لم تكتف بمنافستهم منافسة عملية نزيهة، وإنما دأبت على مناهضتهم مناهضة شديدة حاقدة. والملاحظ أيضا أن بعض ولاة خراسان من أهل اليمن، ولا سيما المهالبة، كانوا دهاة بارعين. فنجحوا في إخفاء أحاسيسهم وغاياتهم السياسية، ونهوا المتطرفين من أبناء قبيلتهم عن إعلان همومهم وأهدافهم، وحاولوا كبح جماح المتهورين منهم، لأنهم كانوا يؤثرون العمل سرا لتحقيق مطالبهم ومآربهم. ولكن بعض الشعراء الأزد كانوا متسرعين متعجلين١، فكانوا لذلك لا يكتمون عواطفهم القبلية ولا يتسترون على مطامعهم السياسية٢.
وعلى الرغم من انقسام العرب بخراسان، وتصارعهم بها على السلطان، فإنهم كانوا يتحدون اتحادا مؤقتا، يدعوهم إليه المصير الواحد، والضرورة العامة، والمنفعة العاجلة، مثلما كانوا يختلفون ويقتتلون بسبب تصادم مصالحهم القبلية والسياسية تصادما حادا. ولكنهم على كل حال لم يكونوا يحسون فكرة المواطنة وأنهم غرباء في أرض نائية عن وطنهم الأصلي، يحيط بها الأعداء إلا إحساسا ضعيفا متقطعا، كما أنه كان لبعض قبائلهم أهداف سياسية من مواقفها التي كانت تزعم أن شعورها بمصلحة الأمة، وطاعة الخليفة هو الذي حفزها على اتخاذها.
ومن أشهر المواقف التي تنم عن اعتقادهم بالوحدة وأهميتها مبادرة كافة زعماء القبائل إلى مطالبة عبد الملك بن مروان أن يتدارك الوضع المتفجر بخراسان، ويرسل إليهم واليا قرشيا محايدا، حين اشتد النزاع بين فرعي تميم على الزعامة، بعد مقتل عبد الله بن خازم، لأنهم قدروا خطورة استمرارهم في التنازع، وما قد ينجم عنه من انهيار نفوذهم كله بخراسان. فاستجاب عبد الملك لهم، وبعث إليهم أمية بن عبد الله الأموي٣.
ولقبيلة بكر موقفان آخران مماثلان بادأت بهما حين تدهور الأمر بخراسان في فترتين
_________
١ الأغاني ١٣: ٩١، ١٤: ٢٨٨، ٢٩٠، ١٥: ٣٨٤.
٢ البيان والتبيين ٣: ٢٥٢، والأغاني "طبعة دار الكتب" ١٤: ٢٩٤.
٣ الطبري ٨: ٨٦٠.
1 / 69