ناحية أخرى فإن هذه هي المرة الوحيدة التي رفع فيها العرب شكوى على عامل من عمالهم على مدار العصر الأموي، بسبب سياسته المالية الجائرة.
ويبدو أن لهذه الشكوى سببا آخر، وهو أن الحجاج بن يوسف فرض الخراج على الأرض التي امتلكها العرب بالعراق وخراسان، فصارت أرضا عشرية، وكانت قبل امتلاكهم لها أرضا خراجية، وإنما اضطر الحجاج إلى اتخاذ هذا الإجراء، لانكسار خراج العراق. وبذلك ارتفعت الضريبة التي أصبح على العرب أن يدفعوها للدولة. فنددوا بتدبير الحجاج وقاوموه، وثاروا عليه في العراق، مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي، وأحرقوا السجلات، وادعوا بعد إخماد الثورة أن أرضهم كانت في الأصل عشرية، لا خراجية١.
وأما تنظيم العرب الاجتماعي والعسكري بخراسان فكان قائما على أساس الأخماس، وهو مماثل للترتيب الذي كان متبعا في البصرة، ومن المعلوم أن زياد بن أبي سفيان أعاد تنظيم مدينة البصرة، فقسمها بين خمس قبائل، كان كل منها يسمى خمسا، وكان يشتمل على عدد من العشائر، وكان عليه رئيس له سلطات واسعة، وكانت الغاية الأولى، من إيجاد نظام الأخماس عسكرية٢.
وهذا النظام نفسه هو الذي كان سائدا بخراسان، لأنها كانت من فتوح أهل البصرة، ولأن أكثر من هاجر إليها وسكن فيها، كان منهم، ولأن معظم ولاتها كانوا يختارون من بينهم. أما أهل الكوفة وأهل الشام الذين كان عمال العراق، أو الخلفاء بدمشق يوجهونهم إلى خراسان في فترات متباعدة، على شكل أمداد، فكانوا قلة قليلة بالقياس إلى أهل البصرة، وهم على كل حال لم يدمجوا في أهل البصرة، ولم يفرقوا على أخماسهم الأساسية، وقبائلهم الكبرى، وهم كذلك لم يقسموا وفق النظام الذي كانوا مصنفين عليه في الكوفة أو في الشام، وإنما كان أهل الكوفة مجموعة قائمة برأسها،
_________
١ مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي ص: ٣٣، ٤٩.
٢ التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة ص: ٥٣.
1 / 54