القسري نقل في مطلع القرن الثاني الجنود العرب الذين كانوا بالبروقان إلى بلخ، فأقطع كل من كان له مسكن بالبروقان بقدر مسكنه، ومن لم يكن له مسكن، أقطعه مسكنا، وأراد أن ينزلهم على الأخماس، فقيل له إنهم يتعصبون، فخلط بينهم١.
ويستدل من أخبار أخرى أن أهل البلاد الأصليين كانوا يرفضون مشاطرة العرب لهم في مدنهم، وأنهم كانوا يرون ذلك إجحافا بهم، وطغيانا عليهم، ومما يؤيد ذلك أنه حينما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، وظهر عدله، وفد عليه قوم من أهل سمرقند أملا في عدله، ورفعوا إليه أن قتيبة بن مسلم ظلمهم، واستولى على أرضهم، ودخل مدينتهم، وأسكنها العرب على غدر، فكتب عمر إلى عامله يأمره بأن ينصب قاضيا لهم فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج العرب أخرجوا لتعود الحال إلى ما كانت عليه قبل عهد قتيبة، فحكم القاضي بإخراجهم على أن ينابذوا أهل سمرقند الحرب، وأقروا الحرب، فأقاموا بين أظهرهم٢.
وأيا ما كان الأمر، فالذي لا شك فيه أن قسما من العرب نزل بداخل بعض المدن، وأن قسما آخر منهم، ولعله أكثرهم، أقام بالمناطق القريبة منها، لأن تلك المدن لم تكن لتحتمل أهلها الأصليين، والعرب الوافدين، ونحن نرجح ترجيحا أن الجنود كانوا يعسكرون خارج المدن، وعلى حدودها، حيث الأرض الخالية التي تتسع لهم ولعوائلهم ولخيولهم، وحيث المكان الفسيح الذي يلائم أمزجتهم وطبيعة حياتهم.
ولما كانت مرو الشاهجان هي الحاضرة، وكان الولاة يتخذونها مركز إدارة مدني وحربي، فلا مفر من أن يكون لهم وجود فيها. غير أن أكثر ما نقل إلينا من الأخبار لا يدل على أنهم اختلطوا بسكانها المحليين، وامتزجوا بهم في فترة مبكرة، ولا يدل كذلك على أنهم كان لهم سككهم وأحياؤهم المستقلة، وإن كانت أخبار الفتنة الأخيرة بين اليمنية والمضرية تفيد أنه كان بالمدينة عدد من الأزد، وبكر، وتميم، وأن الكرماني حين
_________
١ الطبري ٩: ١٤٩٠، وابن الأثير ٥: ١٣٨.
٢ الطبري ٩: ١٣٦٤.
1 / 49