الرحمن المري، وهو يقاتل الترك بسمرقند سنة اثنتي عشرة ومائة بعشرين ألفا من الجنود، كان نصفهم من أهل البصرة، ونصفهم الثاني من أهل الكوفة، مما قد ينبئ بأن الخلفاء الأمويين كانوا يحرصون على تخفيف الضغط على أهل البصرة، الذي ألقي عليهم عبء إمداد خراسان بالجنود في أكثر الأحيان، فكانوا يجعلون بعض البعوث قسمة بين أهل المدينتين، ومما ينبئ بأن الخلفاء كانوا يبعدون العناصر المشاغبة في البصرة والكوفة إلى مناطق نائية، لكي يتخلصوا من خطرها، مع التمويه على هذه الغاية الخفية باختيار العناصر المبعدة شركة من المصرين١.
وعلى كل حال، فهذا هو أول ذكر صريح لعدد المقاتلة بخراسان، وهذه هي أول مرة يشير المؤرخون فيها إلى أن المقاتلة نقلوا أسرهم إلى خراسان. ولا بد أن الجنود الذين كانوا بخراسان في النصف الثاني من القرن الأول كانوا أكثر من خمسين ألفا، فإن من قدموا مع الربيع بن زياد هم الذين يشكلون هذا العدد، أما من كانوا بخراسان من قبل فلم يضافوا إليه.
وفي سنة أربع وخمسين ولى معاوية بن أبي سفيان على خراسان عبيد الله بن زياد، فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفا٢، وليس من ريب في أن قسما من هذا العدد وفد مع ابن زياد، ولم يكن من الجنود القدماء الذين كانوا يبلغون في ولاية الربيع بن زياد أكثر من خمسين ألفا.
ولم تنقطع الهجرات والنجدات عن خراسان بعد ذلك. وإنما استمرت وتوالت، فكان كل عامل يعين عليها يستقدم معه إليها طائفة من القادة النابهين، والمقاتلين المعروفين، الذين يعتمد عليهم، وكان الخلفاء وأمراء العراق لا يتوانون في توجيه البعوث الضخمة إلى عمالهم بخراسان، لتعويض خسائرهم في الجند، وخاصة حين كان أولئك العمال يكثرون من غزو ما وراء النهر، ويمنون بالهزائم، أو يعجزون عن إكمال غزواتهم.
ففي سنة ست وخمسين ولى معاوية بن أبي سفيان على خراسان سعيد بن عثمان بن
_________
١ تاريخ الدولة العربية، لفلهاوزن ص: ٣٩٦.
٢ فتوح البلدان ص: ٤٠١.
1 / 42