وتساءل وهدان: لماذا لا تشترك في الحديث يا لبيب؟
فبادره على الفور: زوجتي تتكلم بلسان الأسرة.
ثمة غيوم كثيرة لم تظهر بعد في الأفق. لقد بعث أبوه من قبره على غرة منه. ليتها كانت امرأة مستغرقة بالأنوثة والبيت. إنها رجل أيضا. تعاليم لا هوادة فيها، ولا بديل عن الكذب إلا بخوض معركة. وألح عليه شعوره بضعف الشخصية. ذلك الشعور القديم الذي فطن إليه بفضل نقده القاسي للذات وتضعضع ثقته بنفسه تحت ضغط إرادة أبيه الصارمة. ها هو لا يطيق الحياة بلا فتحية واستقرار الأسرة الزوجية. ولا شك أنها تحبه وستحبه أكثر ولكن يبدو أنها لا تفرط فيما تؤمن به. لقد وجد في معاشرتها معنى على حين أنه لا يجد معنى وراء ذلك. وراء ذلك خواء وعدم ورعب. فبين يديه صخرة نجاة تنتشل من الغرق وإن لم يلح شاطئ آمن للنجاة قريبا كان أو بعيدا.
عندما ذهب الأصدقاء الثلاثة قالت له: عبد الباري شيطان فكيف تتعامل معه؟
فقال بحذر: الصداقة فوق تناقضات الآراء. - الصداقة يجب أن تقوم على أساس أقوى من ذلك. - بغير تسامح تصبح الحياة غير محتملة.
فقالت بامتعاض: إنه التهاون لا التسامح. - إذا بالغنا في التدقيق فقدنا الناس أجمعين!
فتمتمت بأسف: يا له من مجتمع يكتظ بالقذارة!
أخيرا سمع رأيا يتفق معها في بلا حدود فرحب به قائلا: إني أتفق معك تماما، فما الإنسان إلا كائن ذو إفرازات كريهة ودوافع فظيعة مرعبة!
فرنت إليه بعينين دهشتين وقالت: ماذا قلت؟ عنيت بالقذارة تخلخل الإيمان، ولكنك تتحدث عن إفرازات ودوافع كأنك عدو البشر أنفسهم؟! - أعتقد أنني لم أتجاوز الحق. - لا ... لا ... معذرة إن قلت إنها نظرة غير عميقة. فما تشير إليه يمنع الإنسان من عبادة الله وغزو الفضاء.
تساءل في نفسه ألم يكن من الممكن أن يحدث ذلك بلا إفرازات كريهة ودوافع وحشية وسلوك دنيء؟! لكنه جفل من التفوه بكلمة زائدة، بل هز رأسه كالمقتنع طاويا صدره على أسراره!
Неизвестная страница