Шайтан Бантаур
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Жанры
وزعم الخصم أن خطبتنا من شأنها أن تؤثر في العامة الذين هم المشاءون إلى الحانات، وهذا ما كنا نبغي، فإنا نلتقي بالخاصة في المجالس، ونكتب لهم ما تصل إليه أيديهم وأفهامهم، لكن لا يجمعنا والعامة إلا الطريق، ونصحهم دين علينا أينما لقيناهم.
وزعم الخصم أن البلاء مقصور على حانته؛ لأنها إنما جعلت لأبناء الناحية التي حاربنا فيها الخمر، فأصبح ينتظر من سكانها أن يولوا الوجوه عنها؛ وهذا يسوءنا بقدر ما يحزن صاحب الحانة؛ فقد وددنا لو عم النفع بقدر ما خص الضر.
أيها القضاة، لا تحكموا للخمار فتحكموا على الفضيلة، ولا تقضوا له فتقضوا على التجارة الشريفة؛ لأن التاجر بالخمر قاسي القلب لا يرحم صرعاه، غدار لا يشيع جنازة قتلاه، غشاش لا يقف في الغش عند حد، شره لا يقصر في الكسب عند غاية، فإذا لم يكن منك رقيب عليه، ولم يضرب القضاء على يديه، عظم شره، وعم ضره، وتشبه به الكثيرون من أهل الكسل والشره!
ثم نطق القاضي بهذا الحكم: نحن حاكم قسم الصناعة، من أسباب حكمنا الذي نصدره باسم جلالة الملك، مقتبسين من أنوار عدله المشرقة على العالم، أن النيات موازين الأعمال، لا غنى للقضاء عن تقديرها والتأمل فيها والوقوف حيث هي من صلاح أو فساد في الحكم على صلاح الأعمال أو فسادها؛ ونية الأستاذ بنتاءور يوم خطب في شارع الصناعة، كانت معقودة على أن ينفع الناس ولا يضر بصاحب الحانة، وأيضا إن الفضيلة هي روح الشرائع التي يحكم بها جلالة الملك رعاياه، فلا ينبغي لها أن تنصر عليها الرذيلة في حال من الأحوال؛ والأستاذ بنتاءور إنما نهى عن الإكثار من الخمر وإدمانها الذي هو رأس الرذائل، ونرى كذلك أن الأستاذ بنتاءور هو من كبار أساتذة الأمة وأهل الإرشاد فيها ، وهذه الوظيفة العالية يؤديها أمثاله الحكماء في كل زمان ومكان، أينما وجدوا وكيفما ارتأوا، وكل تعرض لهم فيها تعرض للفضيلة، وبناء على ذلك حكمنا ببطلان دعوى الخمار، وأن يدفع إلى الأستاذ بنتاءور عشرين قطعة من الذهب؛ لأنه سلبه بعض وقته الثمين، وأخره عن أشغاله النافعة في دعوى لم يكن من شأنها أن ترفع إلى القضاء؛ ولهذا السبب نفسه حكمنا على الكاتب فلان المحامي عن الخمار بخمسين جلدة يجلدها في صحن دار الحكومة هذه بمشهد من الناس، عقوبة له على غشه صاحبه، ولكيلا يجترئ أمثاله الكتاب على أخذ أموال الناس بغير الحق.
قال الهدهد: ثم تثاءب النسر تثاؤبه المعهود، وفاه بكلمته المألوفة: إذا جاء الليل ذهبت الشياطين. وأمرني أن ألقاه غد ذلك اليوم في دار الأمير «أوني».
المحادثة السابعة
قال الهدهد: فلما كان أصيل الغد، خرجت إلى الموعد كالعادة، وقد عيل صبري لبخل النسر علي بالكلام، وخبطه في ضرب المواعيد، فدخلت منفيس ضالا حيران لا أهتدي السبيل، ولا أجد من دليل، فجعلت أمر بالدور العالية، وأطيف بالقصور الشاهقة، لعلي أجد ريح النسر على ذلك القصر، حتى أتعبني طلابه، وأغضبني احتجابه، وبغض إلي اصطحابه فعمدت لشباك مفتوح في طبقة من دار فدخلتها منه، وقررت في رف هناك، ثم نظرت تحتي فرأيت غلمانا بضعة منتثرين في المكان، متقابلين على الأرض فيه، وقد جلسوا أرضا، وأقبلوا برءوسهم على ركبهم، وبين أيديهم شيء كثير من ورق البردي وسائر أدوات الكتابة وهم في العمل، وكان الصدر لرجل يؤخذ من سنه وهيئته واتخاذه منصة للجلوس وأخرى للأوراق، أنه رئيس هذه العصبة، والمسيطر على هؤلاء الكتبة، فخيل إلي عندما رأيتهم على هذا الحال أنني في بعض الدوائر المصرية القديمة، حيث الباشكاتب يتصدر والعمال بجانبيه يعرضون عليه الحرف والسطر والصحيفة.
قال: وكان دوني غلامان متدانيان في الجلوس، وكانا يتحادثان همسا، فاسترقت السمع فسمعت أحدهما يقول للآخر: نحن نكتب غير مأجورين ونتعب، وهذا الرئيس يأخذ المرتب!
فأجابه الثاني: وليته يتركنا وشأننا وما نحن فيه من حال تحني الظهور وتدمي الركب وتقرح الجفون؛ فقد شكاني من أيام إلى والدي، وزعم أني بطيء الفهم، ثقيل الحركة!
قال: وهل صدقه أبوك؟
Неизвестная страница