وقد قبل النبي مشورته وأعرض عن رأي عمر الذي كان يشير بقتل الأسرى، كان أبو بكر يذكر القرابة والرحم ويرى أن فيما سيؤديه الأسرى من الفداء قوة للمسلمين، وكان عمر يذكر قسوة قريش على النبي وفتنتهم للمسلمين، ويقدر أن قتلهم سيفل من عزم قريش، ويفتر من همتها، ويثبطها عن المضي في حرب النبي والكيد له.
ولكن النبي سمع لأبي بكر وقبل الفداء من أسرى قريش، وأنزل الله في ذلك قرآنا، لام فيه النبي والمسلمين لأنهم قبلوا الفداء قبل أن يثخنوا في الأرض، وأرادوا عرض الدنيا، والله يريد الآخرة؛ فقال في سورة الأنفال:
ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم * فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم .
وأنت ترى من هذه الآيات الكريمة أن الله - عز وجل - قد لام وعنف وأنذر، ثم عفا وغفر، وليس شك من أن موقع هذه الآيات في نفس النبي
صلى الله عليه وسلم ، وفي نفس أبي بكر قد كان شديدا لاذعا، وقد ظل أبو بكر مع ذلك على خلقه لينا رفيقا رحيما، ولكنه حين ولي الخلافة ورأى ما كان من كفر العرب حين اتبع فريق منهم الكذابين، وحين أنكر فريق آخر منهم الزكاة، وحين تنكر أولئك وهؤلاء لمن كان فيهم من المسلمين، فقتلوا منهم من قتلوا وفتنوا منهم من فتنوا، لما رأى أبو بكر هذا بلغت منه الحفيظة أقصاها، فلم يكتف بمقاومة الردة، وحمل العرب على أن يدخلوا طوعا أو كرها فيما خرجوا منه، بل أقسم ليبلغن في الثأر لمن قتل من المسلمين، وأوصى قواده أن يتتبعوا بعد النصر أولئك الذين قتلوا المسلمين، وأن يقتلوهم ويجعلوهم لغيرهم نكالا.
وكان أسرع قواده إلى طاعته في ذلك بل إلى الإبلاغ في طاعته، خالد بن الوليد رحمه الله.
فهو قد هزم طليحة ورد أتباعه إلى الإسلام، ولكنه جعل يتتبع من المغلوبين من كان قد قتل المسلمين أو فتنهم، فإذا أخذهم قتلهم أشنع قتلة، كان يقذف بهم من أعالي الجبال، وينكت بعضهم في الآبار، ويحرق بعضهم بالنار، وينصب بعضهم هدفا للنبال حتى أخاف الناس وملأ قلوبهم رهبا، وكان في طبع خالد - رحمه الله - عنف شديد، واستعداد للإسراف في القتل.
والذين قرءوا تاريخ فتح مكة يذكرون أنه خالف عن أمر النبي، وقتل في أهل مكة فأسرف حتى أرسل النبي من كفه عن القتل، ورفع
صلى الله عليه وسلم
يديه إلى السماء قائلا: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد.»
Неизвестная страница