الشوقيات
الشوقيات
تأليف
أحمد شوقي
الجزء الأول
مقدمة الطبعة الأولى
بقلم الدكتور محمد حسين هيكل (1) كانت مصر إلى حين قدوم الحملة الفرنسوية إليها في سنة 1798م بعيدة عن الاحتكاك بدول أوروبا، خلا ما كان من مرور بعض التجار والمتاجر بأرضها في ذهابهم وعودتهم بين الغرب والشرق. وكانت بحكم خضوعها لاستبداد المماليك - تحت سيادة تركيا - تسود فيها الدسائس، ويعمل كل من أمرائها لما يجر إليه النفع، وكانت الحركة العلمية والأدبية خامدة فيها خمودها في سائر بلاد الدولة العثمانية، وبلغ من ذلك أن تدلى علماء الفقه الإسلامي، الذين كانوا في مختلف العصور فخر مصر وزينتها، وفتر نشاطهم وفسد نتاجهم في ذلك العصر، فأما الأدب من شعر ونثر فلم تقم له إلى ذلك العصر قائمة منذ امتد سلطان الأتراك على مصر، وإنك لتعجب حين تقرأ كاتبا كالجبرتي، أو ابن إياس؛ لضعف تأليفه ولغته، ولسقم ما فيه من آثار الأدب، شعرا كانت هذه الآثار أم نثرا.
فلما جاء الفرنسيون إلى مصر، وتغلغلوا فيها، وسارت مع حملة الجنود حملة العلماء، رأى المصريون مظهرا جديدا من مظاهر الحياة لم يكن لهم في تاريخهم الأخير به عهد. ولما جاء محمد علي في سنة 1806م، وقام بما قام به من الإصلاح في مصر بأن بعث البعوث من أبنائها إلى أوروبا، وبعث إلى جوانب الحياة من صور النشاط ما حرك النفوس وأثار طلعتها، هب على البلاد نسيم صالح لعله أول بشائر البعث لأمم الشرق العربي كافة. ثم لما عاد المرسلون من أوروبا، وكانوا قد شهدوا فيها نشاطا ضاعفه ما خلفته الثورة الفرنسية وراءها من حمى الفكر والقلب والعاطفة، كانوا هم طلائع هذا البعث والعاملين عليه.
كان من بينهم الأطباء والمهندسون والصناع والقواد، ومن بينهم قام رفاعة بك رافع وتلاميذه يحيون عهد الأدب العربي في مصر، ولكنها كانت حياة تحيط بها ظلمات ماض طويل؛ لذلك كان سريان نورها ضئيلا قصير المدى، لكنها مع ذلك كانت بدءا له ما بعده. فلما كان عهد إسماعيل سارت في سبيل النضج والقوة، ثم كانت الثورة العرابية وما تلاها من الحوادث مثارا لشاعرية أكابر الشعراء، من أمثال سامي باشا البارودي وإسماعيل باشا صبري، ووحيا لخيال شبان كان روح الشعر آخذا بنفوسهم، متهيئا ليفيض منها ما ينفخ في الأدب العربي روحا وقوة.
وكانت الفترة التي انقضت ما بين الحملة الفرنسية في مصر سنة 1798م واحتلال الإنجليز إياها على أثر الثورة العرابية في سنة 1881م، فترة تقلبات سياسية عجت بين الشرق والغرب والمسلمين والنصارى؛ فقد كانت تركيا من قبل ذلك التاريخ في عهد تدهورها، وكانت مطمح أطماع روسيا، فلم تكن تمر حقبة من الزمن من غير أن تشب بينهما حرب تنقص من أطراف المملكة العثمانية. وضعف تركيا هو الذي دفع محمد علي إلى غزوها، لكنه ما كاد يقترب من الآستانة حتى تألبت عليه إنكلترا وفرنسا وروسيا؛ مخافة أن يزعجهم قيامه في عاصمة آل عثمان بين الدول الأوروبية بعد ما كان من انتصاراته الباهرة في الشرق، ومن سعيه لتوطيد قوة السيف وقوة العلم في مصر. وكأن ما قامت به الثورة الفرنسية من نشر مبادئ حرية الرأي والعقيدة لم يغير من نفس تلك الدول التي جعلت من الإسلام والمسيحية والشرق والغرب خصمين لا يتهادنان من غير أن تنطوي الضلوع على حفيظة.
Неизвестная страница