فأجابنا بأننا خلطنا بين العمم والعام فإن نكن خلطنا فقد خلط لسان العرب، والأصح أن ابن منظور كان يعلم ماذا يقول وهو الذي فسر أمر عمم بقوله: أي عام تام، فلم نعلم ما وجه الخلط بينهما؟
ثم إنه هذه المرة لم يتعرض «للعائلة» وخصص نفيه بالعيلة، ورد قول الخفاجي بجوازها بحجة أن كل مستند الخفاجي هو الحديث «أتخافين العيلة وأنا وليهم.»
فقال: إن الذي فسره بالعيال هو ابن الأثير وحده، وإن قول ابن الأثير لا يسلم به حتى نعلم قرائن هذا الحديث. فقد كان صاحب البيان في غنى عن تخطئة مثل ابن الأثير في علم الحديث والرجل من أكابر المحدثين وكتابه «النهاية في غريب الحديث» أشهر من أن يذكر، وهب أن صاحب البيان قد طالع في حواشي الكتب بعض الأحاديث فهو علم لا بد فيه من الأسانيد ولا يصح تلقيه بلا رواية، فتعرض المعترض لجرح قول ابن الأثير في هذا المعنى واقع بغير محله كما لا يخفى.
على أن الخفاجي لم يقتصر في تأييد تلك اللفظة على إيراد هذا الحديث وحده، بل قال: لعلهم أخذوها من قوله: عاله عيلة إذا قام برزقه، أو لعلها أطلقت على أسرة لكونهم سبب العيلة؛ أي الفقر؛ أي من باب تسمية الشيء بما يئول إليه، وفي توجيهه هذا ما لا يخفى من الوجاهة ولا يؤاخذني قارئ بأنني استعملت «العيلة» في كلامي بمعنى الأسرة؛ لأنها من الألفاظ التي وقع فيها المراء والتي أغناني الله عنها بأفصح منها.
فإن قيل: فلماذا تحريت الدفاع عن استعمالها مع أنها مما لا ترضاه لنفسك؟
أجبت: على المنتقد الذي ينصب نفسه «لإرشاد الخاصة» إذا شاء الانتقاد أن يرينا ورى زنده، ولا يعمد إلى ما قد نسج عليه العناكب من المآخذ التي صارت إلى صغار الطلبة فضلا عن خاصة الكتاب، فإظهار الطول فيما لا مزية فيه يحدو المرء إلى المقابلة بالمثل خصوصا في علم العربية الذي لا عبث فيه أكثر من التحجير في الواسع، والقطع بعدم جواز هذا وعدم ورود ذاك ظنا بأن اللغة قد انتهت عند الذي طالعناه.
وأما قول شوقي بك في التاريخ المصري: «إن الحقيقة معه لا يستقر بها خبر، فهي عين تارة وأثر، تموت بحجر وتحيا بحجر.» فقد كان قول البيان فيه هكذا بالحرف: «انظر ماذا أراد بقوله تموت بحجر وماذا يفهم بالحجر هنا؟ وهل هذا إلا ضرب من الرقى وشكل من أشكال الحروف؟»
فلما أوضحنا لك أن العبارة ليست ضربا من الرقى ولا شكلا مما ذكر ضرب عن الجملة صفحا وجاء يجادلنا في توجيه المعنى من جهة التاريخ المصري محاولا أن يوقعنا في التناقض حال كون كلامنا هناك نيرا.
وملخصه أن حقائق التاريخ المصري غير ثابتة لاختلاف ما ينكشف كل يوم من الآثار الحجرية التي قد يناقض منها تال سابقا، ثم يأتي ما يؤيد الذي كان قد نقض فهي لذلك بين موت وحياة مما لا يحتاج فهمه إلى إمعان.
هذا وقد بقيت هناك اعتراضات منها ما سكت البيان عنه علامة التسليم به مثل ما أوردناه على «المأمورية» وقوله: «أخذ النوم يطمئن بمقاعده من الأجفان.» ومنها ما لم يجاوبنا عليه بغير التهكم والازدراء، وهو سبيل سهل لمن أراد سلوكه لكنه ليس سبيل المناظرة، ولا يغني صاحبه من الحجة شيئا.
Неизвестная страница