فاخترنا نشر هذه السطور تعزيزا لبعض ما حاول دفعه ودفعا لما اعترض به علينا جديدا، فأما سائر ما أتى به مما هو خارج عن موضوع المناظرة فلو شئنا لكان للأقلام مجال طويل في رده إليه وعكسه عليه، ولكن ذلك ليس من شأننا فنقول: أما «الكاتب وما كتب غراس نعمائك.» فقد أصبحنا في غنى عن تأييدها بما نتركه لمحفوظ القراء من هذا المعنى الذي لما لم يسع صاحب الرد هذه المرة إلا التسليم بوروده، عاد يقول: «لعلنا رأيناه مرة.» وما رأيناه إلا مرارا، بل لقد سمعنا فيه المثل، وناهيك بما أصبح مضربا للأمثال يكون مطروقا.
فأما قوله: كان يجب عليك أن تميز بين المادح وقصص المؤرخ، ويا ليت شعري هل كانت تلك الرواية خطبة أو قصيدة عدد فيها المؤلف المناقب الخديوية، حتى يقال إن نعمة الممدوح كانت على الكاتب عبارة المدح والشكر.
فجوابه، أن قول صاحب الرواية «الكاتب وما كتب» هكذا على إطلاقه لا يفيد «بما كتب» هذه الرواية وحدها.
وقد «كتب» غيرها كثيرا وأسال من المداد جما مستمدا من كتابته بنعمة مولاه الخديوي التي هو غذي درها وغارق في أبحر آلاء هو ناظم درها.
وهو الذي ملأ الآفاق بالمدائح الخديوية وسير أوابد الشعر في هذا البيت الكريم، وحسبك أن صفته الملازمة له أنه شاعر الخديوي وقد امتلأ حوض العزيز من نظمه.
ولا نعلم بعد هذا من أين جاء الشيخ هذا الشرط الذي قاله، وهو أنه يجب أن يكون كل ما يكتبه الكاتب خطبة أو قصيدة يعدد فيها مناقب سيد له منعم عليه حتى يجوز له التحدث بنعمة ذلك السيد، فإذا خرج من ذلك العرض مرق من فضل مولاه عليه وانقطعت مادة إمداده له فصار محظورا عليه التحدث بنعمته بين الناس وانقطع ما «بين النعماء والإنشاء» كما هو مقتضى كلامه.
وأما «جنى ظلك ومائك» فبعد أن قلنا له إن الظل هنا مجازي لم يبق محل لإظهار معارفنا في علم النبات والتشاغل بالظل والجنى وما يتعلق بهما.
فأما قوله: إننا أضفنا الظل إلى الغراس لا للمهدى إليه فمن يرجع إلى عبارتنا الأولى علم مقصودنا وقاس درجة هذه الدعوى من الصحة، كما أن قوله: أننا جعلنا الحرارة عنصرا، فحسبنا لتفنيده إعادة عبارتنا بالحرف، وهي هذه: «ليس من الضروري في سجعة كهذه استيفاء جميع العناصر التي تخرج الثمر وذكر الحرارة والرطوبة والكربون والهيدروجين.» نعرضها على جميع علماء العربية، هل يستفاد منها أن الحرارة مجعولة فيها عنصرا من العناصر؟ وهل يقول ذلك أحد؟ إلا إذا شاء تحريف الكلم عن مواضعه.
وأما تركيب «زيد أفضل إخوته» فالله يعلم أننا لم نكن ممن يستعمل هذا التركيب وإنما قصدنا بالدفاع عنه أن مسألة خلافية كهذه، قد حصل فيها من الأخذ والرد ما لا يمكن أن يكون غاب عن أديب راسخ مثل صاحب عذراء الهند، وأن شوقي بك لم يعدل إلى مثل هذا التركيب إلا وهو يرى رأي الذين أجازوه ولم يحجروا فيه، وذلك مثل ابن خالويه وهو يحفظ منه قول العتبى، وقول صاحب البيان: أن ليس هذا مقصود ابن خالويه لا يسلم به بلا دليل. والخفاجي قد نقل ذلك عنه وهو ممن يعلم ما ينقل ويفهم ماذا يقول.
ولما كان اعتراض البيان على هذه العبارة مأخوذا كغيره عن درة الغواص وهي بين الأيدي، وكان الخفاجي قد تعقبه هناك فمن شاء مقابلة الأخذ بالرد فعليه بمراجعة ذلك في محله ولا حاجة بنا إلى إضاعة الوقت في نقله ومنه يعلم أدلة الفريقين.
Неизвестная страница