حكيم كندة لم يزعم بما زعما
لو كان أدرك عصرا قد تقدمه
عي حبيب عن الإنشاد معتصما
فانعوا لنا الشعر والآداب قاطبة
معه وقولوا لشوقي إنه يتما
ولكن من يدري فقد يكون شوقي غص برئاسة البارودي من ذلك العهد، وقد تكون الفترة التي ظهرت لي منه عندما جئت إلى مصر قاصدا طرابلس الغرب، وما رأيت من تدلله ولحظت من تسحبه أثرا من آثار المقالة التي أجبت فيها سليم سركيس عمن أراهم أشعر الشعراء في هذا العصر، وأسجلت فيها أن الأول فيهم هو محمود سامي والثاني هو شوقي والثالث هو حافظ إبراهيم، فجاءت مقالتي هذه قرعا على كبده رحمه الله. ولعل الأخ شاعر القطرين خليل مطران يدري من هذا الأمر ما لا أدريه أنا؛ لأنه قد كان بينه وبين شوقي من الخلطة والمودة والتبذل في الحديث ما لم يكن بين اثنين، وكيف كان الأمر فقد صدق مصطفى صادق الرافعي في قوله: إن شوقي أصبح بعد أن صار شاعر الأمير كالجواد العتيق ينافس حتى ظله. وقد صدق الرافعي أيضا في قوله: إن طريقة شوقي في الشعر لم تكن طريقة البارودي؛ لأن شوقي كان يضعف عن طريقة البارودي ولم تكن تتهيأ في أسبابه وخاصة في أول عهده. وهذا شيء لا يختلف فيه اثنان فلكل من هذين طريقة خاصة به، والغالب على البارودي هو علو النفس والجزالة، والغالب على شوقي هو الرقة والحكمة والتأثير في النفس.
أماثيل من شعر شوقي
وقد حان الآن أن نذكر أماثيل مما يعجبنا من شعر شوقي، وقد سبق للأدباء حتى في حياته أن تكلموا في هذا الموضوع وأشاروا إلى المختار من شعره والأثير من قوله، واتفق الجميع على أن القصيدة التي أولها:
خدعوها بقولهم حسناء ... ... ... ...
هي من عيون قصائده التي رزق فيها من التوفيق ما لم يقع فيه جدال مع أنها مما نظمه في أول شبابه. وقد نشر الأديب الضليع أنطون بك الجميل رسالة بعد وفاة أمير الشعراء ضمنها ما رآه الأحسن في نظره، وهو لا يخرج عما كان يؤثره له الناس في حياته ويأثرونه دائما عنه. وسأنقل أنا أيضا من جملة الناس ما يعجبني من شعر شوقي غير ذاهب مذهب الإطالة في التحليل ولا مقتصر على مجرد السرد بدون تذييل؛ فأقول: ينقسم شعر شوقي إلى ثلاثة أقسام: أحدها الشعر الشخصي، وهو ما اصطلح الإفرنج على تسميته بالشعر المطرب
Неизвестная страница