قدرت أن القلم لا يسير في يد الكاتب أقل من متر في الدقيقة لو استقامت الحروف التي يخطها، فكانت خطا واحدا مستقيما، فقلت: إن الإنسان الذي لا يسرع في الكتابة يسير قلمه على القرطاس ستين مترا في كل ساعة، فكم يكتب كاتب وسط في كل يوم وكم يكتب كل شهر وكم يكتب كل سنة وكم يكتب طول عمره إذا مد له في العمر؟
ثم قلت: وكثير من الكتاب تسير أقلامهم كما تسير أرجلهم فيخطون خطوطا ليست مجدية، ولكنها رياضة لليد على الحركة كما يجدي المشي في رياضة الرجل، إذا لم نحسب خسارة المداد والورق. وهؤلاء لا يكسبون شرا ولا خيرا.
وقلت: كثير من الكتاب يسرعون في الشر والفساد مسيرة ستين مترا في كل ساعة بما يكتبون، فإنما حركة أقلامهم على الورق كمشي السارق أو القاتل إلى بغيته.
وقلت: ومن الناس من يعمل للخير في كل ما يكتب، وينير للعقل والعاطفة في كل ما يخطر، فهو يسير في الخير ويسرع في الإصلاح ستين مترا في كل ساعة.
ثم رجعت إلى نفسي فقلت: إنك تقيس الأفكار بالأمتار! نعم، يسير القلم هذه المسافات في الدقائق والساعات، ولكن رب فكرة يلهمها كاتب تسير به وبالناس معه في طريق الكمال أميالا كثيرة في لمحات، ورب فكرة يفتن بها كاتب ترد الإنسانية وراء أو تهوي بها أسفل أميالا كثيرة في دقائق. سير الأقلام كسير الأفكار يأبى أن يحده زمان أو مكان، فلينظر كاتب كيف يسير قلمه، وليعتبر آثار ما يكتب في سعادة البشر وشقائهم وفسادهم وصلاحهم!
الأحد 15 شوال/30 يوليو
قصص أبي زيد الهلالي
كان لقصص أبي زيد الهلالي وما يتصل بها من واقعات المغرب، ولقصص تشبهها متصلة بتاريخنا، شأن بين العامة كبير، وأثر في نفوسهم بليغ. كان لها شعراء يقصون نثرها ويغنون شعرها على الرباب، وكان كثير من أهل القرى من غير الشعراء يعرفون حوادثها وينشدون شعرها حين يجمع مجلس جماعة منهم فارغين من أعمالهم.
وكان لأناسي هذه القصص حياة بين العامة يعرفون كلا بخصاله من الشجاعة والعفة والوفاء والسخاء وخصال أخر، وكل منهم يطمح إلى أن يتقيل واحدا من هؤلاء الذين تقص سيرهم. وكانوا يجعلونهم مثلا بينهم، فيقال: هذا كأبي زيد شجاعة أو كدياب بن غانم، وهذه كسعدى بنت الزناتي أو الجازية أخت السلطان حسن.
وكانت العصبية تثور بين سامعي القصص أحيانا، هذا يتعصب لرجل وهذا يتعصب لقرنه. وهذه العصبية تزيد القصص حياة ومثولا بين الناس، وتزيد السامعين حبا لهم واقتداء بهم.
Неизвестная страница