الأربعاء 4 شوال/19 يوليو
أحرار مقتدون وعبيد مسيبون
في الناس أحرار لا تستعبدهم رغبة ولا رهبة ، ولا يسيرهم حرص ولا طمع، ولا يذللهم حب الغنى ولا خوف الفقر، ولا يهمهم وجدان أو حرمان.
وهم على تحررهم من رجاء الناس وخوفهم، آخذو أنفسهم بالسيرة القويمة، والطريقة المستقيمة، ومكلفوها الخطة الشاقة، ومحملوها العبء الثقيل. فهي في قيد الحق ووثاق العدل تمضي على السبيل الضيقة الطويلة لا تحيد يمنة ولا يسرة، على كثرة الخدع على جانبي الطريق وعلى ازدحام الفتن حفافيها، وعلى قدرتها أن تنال ما تشاء.
هؤلاء أحرار مع غيرهم، مقيدون مع أنفسهم؛ أحرار تسيرهم إرادتهم، وتمضي بهم عزيمتهم. وتلك غاية الحرية، ليس لأحد عليهم سلطان إلا نفوسهم.
وفي الناس عبيد تستعبدهم الرغبة والرهبة والحرص والطمع والخوف والرجاء، تذللهم كل شهوة ويصرفهم كل هوى، فهم تبع لكل مرجو، سخرة لكل قوي. ولكنهم على هذه العبودية مسيبون في شهواتهم إذا خلوا إلى أنفسهم، راتعون في آثامهم إن أمنوا سطوة القانون وغضب من يخافون ومن يرجون. هؤلاء عبيد مع الناس، أحرار مع أنفسهم، ولكل أحد عندهم حرمة إلا أنفسهم، ولكل شيء عليهم سلطان إلا قلوبهم، وتلك غاية العبودية.
الخميس 5 شوال/20 يوليو
عظة
صليت الجمعة اليوم في جامع عبد الله بن عباس الذي في الطائف، وشهد الصلاة بعض كبار الأمراء السعوديين، وجلست معهم في الصف الأول. وبعد الصلاة نودي للصلاة على جنازة، وكانت الجنازة في فناء المسجد خلف المصلين، وأريد أن يصلي عليها الحاضرون كلهم، فحملت الجنازة وتخطى حاملوها الصفوف حتى وضعوها أمام المحراب موضع الصف الذي كنا فيه، فتقدمت الأمراء والكبراء وسائر من شهدوا الصلاة.
وقمنا للصلاة عليها وملء نفسي الخشوع والعبرة؛ قلت: يا لها حقيقة هائلة هذه الحقيقة التي تلقف كل هذه المظاهر؛ حقيقة الموت التي تقهر كل شيء ولا تقهر، الموت الذي فضح هذه الدنيا كما قال الحسن البصري. هذه الحقيقة التي كانت خلفنا أبت إلا أن تذكر بنفسها، وتنبه من غفل عنها، فجازت صفوف الأحياء، وتخطت الحرس وتقدمت الكبراء وأخرت الأمراء واستقرت عند المحراب في الصف الأول، أمام الناس جميعا. إن في ذلك لذكرى لمن كان له كان قلب.
Неизвестная страница