إذا أوتي الإنسان ما يكفل حاجاته، فقدر على أن يسكن في دار وافية بمرافقه وأن يلبس من الثياب ما يرضيه، وأن يأكل ما يشتهيه، وأن يستطب إن مرض، وأن يركب إلى آفاق الأرض ما أخرجت الفنون والصناعات من وسائل السفر في البر والبحر والجو.
إذا قدر إنسان على هؤلاء فقد استمتع بما اخترع المهندسون وأتقنوا، واستمتع بما أخرجه النساجون والزراعون والتجار والصناع في أرجاء الأرض، وكان كل زارع وصانع وتاجر على وجه الأرض كأنما يعمل له، ويعرض عليه عمله، ويود أن ينتفع بهذا العمل.
وإن كان هذا الإنسان ذا عقل وعلم أو أدب انتفع واستمتع بقراءة ما أخرجت العقول من كتب وصحف.
إذا قدر إنسان على أن يستمتع بكل ما تخرج أيدي البشر وعقولهم، وهذا ليس مستحيلا ولا بعيدا؛ فكل إنسان أوتي بسطة من الرزق قادر عليه، بل يقدر عليه كثير ممن لم تبسط أرزاقهم، فليت شعري! أي فرق بين هذا الإنسان في حالاته هذه وبين أن يكون ملكا على الأرض كلها يسخرها كما يشاء؟ لا فرق إلا أن هذا المستمتع بما في العالم دون أن يملكه خال من الهم، مستريح من التبعات، موفر له فكره ووقته.
إن أنصف الناس وتعاونوا لم يبعد أن يبلغ كل إنسان هذه الغاية، فيعيش البشر كلهم وكأن كل واحد منهم ملك الأرض كلها، يعمل له من في الأرض جميعا، ويسعد بأيدي الناس أجمعين، ولكن أكثر الناس لا يفقهون.
الإثنين 25 رمضان/10 يوليو
أذان الفجر في الحرم
ذهبت إلى المسجد الحرام سحر الليلة السادسة والعشرين من رمضان، فرأيت المصلين تحلقوا حول الكعبة، وتوالت حلقاتهم حتى شغلت المسجد كله، فأخذت مكاني على مقربة من الركن اليماني فصليت، وقعدت أرقب الطواف؛ أرقب هذه الدائرة الأبدية التي لا تقف نهارا ولا ليلا، فعرضت علي أجناس البشر تختلف قسماتهم وأزياؤهم وتتفق في هذا المركز قلوبهم.
وكلما اقترب الفجر ضاقت دائرة الطائفين وقاربت الكعبة صفوف المصلين.
والنور يحيط بالكعبة في دوائر تشبه دوائر الطائفين والمصلين. والقمر مطل من ناحية أبي قبيس يشارك هذه المصابيح وينافسها وينازعها هذا الشرف؛ يشاركها إضاءة الحرم.
Неизвестная страница