170

وعبثا تحاولون أن تطبوا للداء الظاهر قبل أن تبرئوا النفوس من الداء الباطن.

السبت 15 صفر/25 نوفمبر

أثر البيئات في الأدباء

أولع الأدباء المعاصرون من كتاب الغرب - وسار على أثرهم كتاب الشرق - بالكلام عن البيئة، والإفاضة في بيان تأثيرها على أهلها. وكانت جدة هذا المذهب في بلادنا داعية إلى الإعجاب به والإفراط فيه، فحاول مؤلفون أن يشرحوا الشعراء بآثار البيئة كما تشرح قصيدة أو مقالة. وكان لهم في هذا مسالك عجيبة، فإذا قيل: إن المعري مثلا غلب عليه الانقباض والتشاؤم؛ رجعوا إلى البيئة يبينون مقدمات الحزن في نفس المعري. وإذا قيل: إن المتنبي كان ثائرا يحاول ملكا؛ التمسوا مقدمات هذه النزعة في البيئة. وإذا تكلموا عن كاتب قوي الأسلوب تعرفوا أسباب القوة في بيئته، فإذا عرض لهم ضعيف الأسلوب تحروا أسباب الضعف في البيئة نفسها! ولست آخذ عليهم الاهتمام بتأثير البيئة في الناشئ فيها، ولكن آخذ عليهم الغلو في هذا ومحاولة تعليل كل شيء بالبيئة، فالبيئة لها آثار ولكنها ليست كل المؤثرات. ولو كان مذهبهم حقا لأخرجت البيئة أشباها لا يختلفون من الكتاب والشعراء، ولكن البيئات تخرج متشابهين ومتخالفين.

ينبغي أن تقدر فطرة الإنسان كما تقدر البيئة أو أكثر، وينبغي أن تقدر المؤثرات التي تصل إلى الإنسان من وراء الأزمنة والأمكنة. فقد يقفو الناشئ آثار نابغ نبغ في غير عصره وغير أرضه فيوافق مذهبه مزاجه أو هواه فينطلق على آثاره مقلدا ويقفو خطاه مؤتما.

ثم يتهاون إخواننا حتى يصوروا البيئة الواحدة بصور مختلفة تبعا لصور الكتاب المختلفين الذي نشئوا فيها، فهم لا يعرفون البيئة حق المعرفة ثم ينظرون إلى الناشئ فيها؛ بل ينظرون إلى الناشئ ثم يتوهمون بيئة ملائمة لطباعه مؤثرة في مزاجه، وهذه مدحضة الآراء ومزلة المذاهب. فليتثبت الباحثون وليقتصد المبالغون.

الأحد 16 صفر/26 نوفمبر

في العالم مجال واسع للتعمير

تحدثت اليوم مع سفير أمريكا حينما زارني في السفارة عن الأنهار والأودية التي يضيع ماؤها في الصحاري والبحار، وعن الأرض الشاسعة التي تصلح للزرع وهي غير مزروعة، فذكرت ماء النيل ودجلة والفرات ونهر العاصي وأودية جزيرة العرب، إلى ما في بطن الأرض من مياه يمكن استخراجها. والحق أن كثيرا من الأقطار الغامرة يمكن زرعها بكثير من المياه الذاهبة سدى. وفي مصر من يفكر في سوق نهر النيل إلى الصحراء الغربية؛ يسقي الصحراء فيجعلها مزارع وبساتين، ويخفف عن البلاد خطر الفيضان حينما يطغى النهر.

وأذكر أن جماعة من المهندسين المصريين دعوا إلى سوريا للنظر في الانتفاع بمياهها لسقي أراضيها فقالوا: إن في سوريا مياها تكفي لزرع أرضها كلها.

Неизвестная страница