129

الإثنين 13 ذي الحجة/25 سبتمبر

الحدس في الأدب

فكرت اليوم في ناشئة المتأدبين، ومدرسي الآداب عندنا، كيف يولعون بالنظريات، ويعجلون إلى النتائج والمقدمات. إذا قيل: إن شاعرا كان متشائما حزينا، تناولوا عصره فصبغوه بالسواد من الشر والسوء. وإذا قيل: إن شاعرا آخر كان مرحا فكها لاهيا ماجنا أسرعوا إلى العصر يصورون جوانب المرح واللهو فيه، ولعل الشاعرين قد نشأا في عصر واحد وبلدة واحدة!

وقد أولع بعض الباحثين بالفرض والتقدير والتخيل والحدس دون عناية بالأدب نفسه، فمنهم من يتكلم عن زهير ومدرسته، وأبي تمام وطريقته والمتنبي وشذوذه، وهو لم يستوعب شعر واحد منهم قراءة وفهما، بل لم يقرأ عدة قصائد، بل لم يفهم قصيدة واحدة حق الفهم. فكثرت النظريات واتسعت الخيالات بمعزل عن الحقائق، ومنأى من الشعراء والكتاب أنفسهم.

وعفا الله عن بعض أساتذة الأدب فقد أرخوا للطلاب العنان في هذه السبيل، وزينوا لهم الخرص والحدس والتأويل، حتى هاموا في كل واد، والأمر أعظم مما حسبوا، وأعوص مما توهموا. وليس يضيرنا أن نكثر دراسة الأدب، ونقل عن النظريات حتى نوفي على الغاية قراءة وفهما، ثم نقيس الأشباه والنظائر، ونجمع المؤتلف والمختلف، فيتضح لنا الرأي، وتستقيم بنا الطريقة.

كان أسلافنا يتقصون الأدب ولا يعنون بالتأريخ له والتعليل كثيرا، ونحن اليوم نولع بالتأريخ والتعليل ولا نعنى بالأدب. والطريقة المثلى أن نتوسع في درس الأدب ونعنى بتاريخه، وأن نقف على المقدمات متثبتين حتى نبلغ النتائج واثقين.

الثلاثاء 14 ذي الحجة/26 سبتمبر

البيان

الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان .

البيان موهبة الإنسان، هو إحدى آياته بل معجزاته. وإن البيان لخفي المسالك، لطيف المسارب، يحاوله عقل الإنسان فينال منه ثم يعجز عنه، والكلام فيه يسير عسير، وسهل صعب. ولا تتسع صفحتي لتناول البيان بالتفصيل ولو في إحدى جزئياته، ولكن خطرة خطرت، وفكرة عبرت، فقيدتها بهذه الأسطر:

Неизвестная страница