تقتحم الوحدان والجماعات عقباتها، وتهزم صعابها، وتمضي سبيلها على مقدار ما تتزود به من رأي محكم وعزم مصمم. وإحكام الرأي وتصميم العزم لا يلدهما إلا إيمان لا يشوبه ريب، وعقيدة لا يخالطها شك.
كلما اشتدت الأزمات، ولزبت اللزبات، واعترضت العقبات جاهدها عزم مصمم، وأمد العزم وأنجده وآزره وأيده إيمان قوي، لا يقهر واحدا أو جماعة مشقة، أو بعد شقة. والعزم حليف، ولا يفل العزم شدة، ولا يوهنه محنة، ما ظاهره الإيمان الثابت، والعقد الراسخ، فإن وهن الإيمان، وهن العزم فوهن الإنسان ووهنت الأمة فيما تلقى من الصعاب، وتقتحم من العقاب، وليس وراء الوهن إلا الخيبة.
ووهن الإيمان ذرة من الريب وخطرة من الشك، ربما لا يفطن لها أو لا يعتد بها، وهي كصدع صغير في سد كبير، أو كخلل يسير في سلك دقيق من جهاز كهربائي، أو عوج قليل في عجلة ضئيلة من آلة ضخمة. يوهن الصدع الصغير سده، والخلل اليسير جهازه، والعوج القليل آلته لا محالة.
فشر ما تلقى به جماعة كادحة أو أمة مجاهدة أن تشكك في إيمانها؛ فيهن عزمها فتضعف متتها. ومن أجل هذا كان المرتابون في أمة آفة كبيرة، والمترددون في كل جماعة فتنة عظيمة . فحسب أحدهم أن يسأل سؤالا يسري في إيمان الأمة ريبا، أو يدلي برأي يتسرب في يقينها تساؤلا. هؤلاء أعداء الأمم حاربوها بزعزعة إيمانها بالشك وفل عزمها بالارتياب، وردها عن غايتها بالتردد. فاعرفوا هذا واحذروه يا قادة الأمم ويا قواما على الشعوب.
الأحد 13 ذي القعدة/27 أغسطس
تآلف الجماعة وتنافرها
أسعد الجماعات، وأولاها بالفرح وأحراها بالظفر في جهاد الحياة، جماعة متآلفة متحابة متعاونة، يحب كل واحد فيها لأخيه ما يحبه لنفسه، ويكرمه ولا يبخسه حقه.
ولا تتيسر هذه الفضائل إلا لجماعة جمعتها شرعة الحق والعدل على التآخي والتحاب، جماعة أحلت العدل الجامع محل الأهواء المفرقة، والنصفة المؤلفة مكان الجور المنفر. وما تزال هذه الخلال تشيع فيها وتقوى حتى يصير رضاها بالقانون وغبطتها بالخير العام، وأنسها بأن تكون سواسية في الخير والشر والنفع والضر، وحتى تتجلى الألفة في كل مظاهرها؛ في طرقها ومجامعها، فترى حيثما رأيت وجوها متعارفة، وأيديا متآلفة حتى ليترك واحدها ما هو حل له إن رأى فيه ما يسوء أخاه، وترى ائتلاف باطنها وراء ائتلاف ظاهرها.
ومن يستهن بائتلاف الجماعة في مظاهرها فقد جهل نظام الجماعات، وما بين الباطن والظاهر من صلات.
لعل خير ما وصف به أهل الجنة في القرآن:
Неизвестная страница