إلى الأمير عبد الرحمن الغافقي
أكتب إليك من دير القديس مرتين وقد وصلت إليه بعد مشقات يطول شرحها سأقصها عند اللقاء القريب إن شاء الله، وإنما بعثت هذه الرسالة لأخبرك بأمر هام، اطلعت عليه في أثناء سياحتي هذه وهو أن المرأة التي تسمي نفسها ميمونة إنما هي لمباجة بنت الدوق أود وقد نصبت لي الحبائل الكثيرة في أثناء هذه الرحلة، وهي التي حرضت أباها على استنجاد صاحب أوستراسيا بكتاب أرسلته مع خادمها الأحول، فاحذروها وافعلوا بها ما شئتم، ثم إني أبشركم بأن رئيس هذا الدير ناقم على شارل وقد وعدني بالمساعدة ولكنه استبقاني عنده رهينة، وأنا في أمن وإكرام، أطلب لكم النصر، وأوصيك بفلذة كبدي مريم، والسلام.
سالمة
فما جاء على آخر الكتاب حتى بغت، فنظر إلى هانئ ثم أعاد النظر إلى الكتاب، وقد أخذت منه الدهشة مأخذا عظيما، فقال هانئ: «لم أكن أعتقد في هذه الملعونة خيرا، وكنت مع فرط جمالها أشعر بنفور من منظرها لسبب لا أعلمه، فكأن قلبي دلني على حقيقتها وكثيرا ما كنت أستغرب إكرامك لها.»
فقطع عبد الرحمن كلامه قائلا: «كنت أراعيها على حذر ولم أثق بها قط، ولكنني كنت أتوقع منها نفعا في أثناء حروبنا؛ لأنها من أهل هذه البلاد وقد قضي الأمر الآن، فيجب أن نتدبر في شأنها، فما الذي ترى أن نفعله؟»
قال: «أرى أن نقتلها حالا ونريح أنفسنا منها.»
قال: «سننظر في ذلك بعد الفراغ من ترتيب هذا المعسكر.»
قال ذلك وركب جواده وتحول نحو الجند لإتمام ترتيبهم، فجعل معسكره في نحو ثلث الضلع الممتد بين تورس ومعسكر أود وجعل فسطاطه في وسط المعسكر نحو الأمام وبجانبه خيمة هانئ، يليها بالترتيب مضارب القبائل كل قبيلة على حدة وخيمة أميرها في وسط خيامها، وراية الأمير مغروسة في باب خيمته، وقد يكون للقبيلة الواحدة عدة أمراء وعدة رايات باعتبار البطون والأفخاذ وجمع بين القبائل المتقاربة في النسب المضرية في جانب واليمنية في جانب، وجعل البرابرة في جانب آخر جنوبي المعسكر ببقعة اختاروها هم، وعبد الرحمن يسايرهم؛ لأنهم أكثر فئات الجند عددا فترتبوا باعتبار قبائلهم وبطونهم، وكذلك الأمم الأخرى من الأنباط والشوام وهم أقل سائر الفئات ثم أمر بالغنائم أن توضع في خيام نصبوها لها بجانب المعسكر من جهة الجنوب، وقد طلب البرابرة ذلك لتكون غنائمهم أقرب إلى مضاربهم، كأنهم خافوا أن يسطوا عليها العرب ويأخذوها منهم، ونصبوا مرابط الخيل وراء المعسكر مما يلي النهر الصغير.
وكان هانئ في أثناء ذلك الترتيب يطوف المعسكر لمساعدة عبد الرحمن، وهو يفكر فيما قرأه عن ميمونة وسالمة، وخطر له أن مريم إذا عرفت بمقام والدتها في ذلك الدير ربما طلبت الذهاب إليها، فارتاح إلى ذلك الخاطر لاعتقاده أنها تكون هناك في مأمن على حياتها لو قضي على العرب بالهزيمة، على أنه ترك الاختيار لها وإن كان لا يقوى على فراقها.
الفصل الثامن والستون
Неизвестная страница