فالتفتا إليه وهما لا يتوقعان منه القدرة على ذلك، فأصاخا بسمعهما إليه وقالت سالمة: «وما هو التدبير؟ إذا كنت ترى تدبيرا خاصا، فيكن عاجلا.»
قال: «علي تدبير ذلك في هذه الساعة.»
قالت: «وكيف؟»
فوقف حسان وعمد إلى جبة الرهبنة التي كانت عليه فحل حبلها من حول خصره، وطوقها من حول عنقه، وأخذ في نزعها وهو يقول: «عليك بهذه الجبة فالبسيها فوق ثيابك واجعلي هذه القبعة على رأسك وهي تقفل من الجانبين فتغطي الوجه، وإليك هذا العكاز واخرجي مع حضرة الراهب، فلا يشك أحد في أنكما الراهبان اللذان دخلا الآن، ومتى بعدتما عن المعسكر فافعلا ما تريانه.»
فأعجب الراهب بتلك الحيلة اللطيفة، ودهش لشهامة حسان إذ فضل أن يلقي بنفسه إلى التهلكة فداء لمولاته، أما سالمة، فإنها لم تدهش لذلك، وأثنت على حسان فقالت: «لا أستغرب هذه الشهامة يا حسان، فقد رأيت منك مثلها مرارا ولكني ضنينة بك لسابق تعبك، وقد دنا الوقت الذي آن لي فيه أن أكافئك على جهودك في خدمتي منذ أعوام عديدة وخصوصا الآن فقد كنت راغبة في لقائك لأبشرك بأمر يسرك كثيرا ولا أستطيع أن أخبرك به إلا إذا كنا معا وأخشى إذا افترقنا الآن ألا نلتقي.» «قال حسان: عليك بهذه الجبة فالبسيها فوق ثيابك، واجعلي القبعة على رأسك، وإليك هذا العكاز واخرجي مع الراهب.»
فتوقف حسان عن خلع الجبة وتطاول بعنقه وقال: «أخبريني عن ذلك الآن قبل أن نفترق.»
قالت: «عندي أمور كثيرة أقصها عليك وأستطلع رأيك فيها وسأحتاج إليك في تنفيذ بعض الشئون.»
قال: «وهل تظنين أن في بقائي هنا خطرا علي؟ اطمئني وثقي أنكما لا تخرجان من هذا المعسكر حتى ألحق بكما.»
قالت: «أظنك إذا اطلعت على ما سأقصه عليك تفضل البقاء هنا بضعة أيام!»
فلم يعد حسان يستطيع صبرا عن سماع ذلك الخبر فقال: «أخبريني، يا مولاتي، بما علمت مما يهمني سماعه، أو مريني بما تريدين ثم نتداول - قبل ذهابك - فيما تأمرين.»
Неизвестная страница