شرح ثلاثة الأصول لخالد المصلح
شرح ثلاثة الأصول لخالد المصلح
Жанры
عبادة الذبح ودليلها
قال ﵀: [ودليل الذبح قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام:١٦٢-١٦٣]] .
الذبح لغةً: هو شق حلق الحيوان، والمراد به هنا: ذبح ما يتقرب به لله.
قوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي﴾ الصلاة قيل: المراد بها الدعاء، وقيل: المراد بها الصلاة المعروفة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، فالصلاة لله جل وعلا.
وقوله: ﴿وَنُسُكِي﴾ النسك قيل في تفسيره هو: ما يتقرب به إلى الله ﷿ من الذبائح والقرابين، وقيل: إن النسك هنا يشمل كل ما يتعبد به، والنسك لغةً يطلق على ما يتقرب به من العبادات غير الذبح، ومنه الحج والعمرة، وهي من المناسك، فالمناسك هنا لا تقتصر على الذبح والتقرّب به فقط، بل النسك يشمل الذبح ويشمل غيره.
قال تعالى: ﴿وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي﴾ أي: عمل حياتي وعمل موتي، كل هذا لله رب العالمين، وهذا فيه بيان وجوب إفراده ﷾ بذلك؛ لأنه أخبر وأمر النبي ﷺ بالقول في هذه الآية لتبليغ هذا بخصوصه، وهذا دالّ على أنه هو المستحق لذلك دون غيره.
قوله: (لِلهِ) استحقاقًا، وقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذا فيه بيان وجه استحقاقه، وقوله: ﴿لا شَرِيكَ لَهُ﴾ هذا فيه بيان انفراده بذلك وتأكيد ما تقدم في قوله: ﴿لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ثم قال: ﴿وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ﴾ يعني: أن هذا الإفراد وهذا الإخلاص ليس أمرًا من قبل نفسي، بل هو أمر من الله ﷾، ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ أي: أول المنقادين المبادرين لامتثال هذا الأمر، وهو في قوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:١٦٢]، والإسلام هو الانقياد.
يقول: [وَمِنَ السُنَّةِ: (لعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ الله)] .
واللعن يقتضي تحريم الفعل الملعون صاحبه، والذبح على أنواعٍ نبينها على وجه الإيجاز: النوع الأول: الذبح لله ﷿ مع ذكر اسمه، فهذا هو المأمور به فتذبح لله قصدًا، وتفرده لفظًا، فتقول: (باسم الله) عند الذبح، هذا هو الذي أمر الله ﷾ به وأحله لأهل الإسلام.
النوع الثاني: الذبح لغير الله قصدًا ولفظًا، فيقصد بذبيحته -مثلًا- وليًا من الأولياء، أو ملكًا من الملائكة، أو أحدًا من الجن، أو صنمًا، ويسمي المقصود، فيذبح مثلًا ل علي بن أبي طالب، أو للحسين بن علي قصدًا، يريد التقرب إليه بهذا الذبح باسم الحسين، أو باسم علي، أو باسم النبي، أو باسم جبريل، فهذا كله شرك أكبر يخرج صاحبه من الملة، وهذا لا إشكال فيه، ولا خلاف بين أهل العلم في أن من فعل هذا فقد خرج من دائرة الإسلام، وخلع ربقة الإيمان، وليس من أهل القبلة؛ لوقوعه في الشرك الذي جاءت الرسل بالتحذير منه والنهي عنه.
النوع الثالث: أن يذبح لله قصدًا، ويذكر اسم غيره لفظًا، ففي العقيقة مثلًا يتقرب إلى الله بالذبح، وفي الهدايا التي تهدى إلى البيت الحرام يقصد بها التقرب إلى الله ﷿، لكن عند الذبح يذكر غير الله، فيذكر ملكًا، أو إنسًا، أو جنًا، أو ما إلى ذلك مما يُشرك به وتصرف العبادة إليه، فهذا شرك وكفر كالنوع الثاني، وإن كان أخف منه درجة، لكنه شرك وكفر؛ لأنه مما أهلّ به لغير الله.
النوع الرابع: أن يقصد بالذبيحة غير الله، ويذكر اسم الله عليها، فيقصد بالذبح وليًا أو نبيًا أو ملكًا أو غير ذلك، وعند الذبح يقول: (باسم الله)، وحكم هذه الذبيحة أنها محرّمةٌ لا يحلّ أكلها، وفعل الذابح شرك؛ لأن النبي ﷺ قال: (إنما الأعمال بالنيات)، ولأنه ذبح لغير الله، فلم يحقق قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:١٦٢]، فهذه الأقسام على وجه الإيجاز في الذبح.
3 / 15