قال العلماء: فرقت العرب بين قولنا ما الزوج وبين قولنا أفهمني ما الزوج؟ فالأول طلب الحقيقة والثاني طلب فعل يصدر من الخاطب، فإذا قال السيد لعبده من بالباب؟ فقال غير ذلك العبد: زيد بالباب، حصل مقصود السيد ولا عُتب على العبد الأول،
فإن المقصود إنما هو تحصيل فهم من بالباب، وإذا قال لعبده اسقني ماء فسقاه غير ذلك العبد المأمور توجه العُتب على الأول لكون صيغة الأمر موضوعة للتكليف والإلزام الذي من شأنه العتب على تقدير الترك، هكذا نقله الأئمة عن اللغة في الفرق بين الاستفهام والأمر، نقله فخر الدين وغيره، فلذلك قيل في حد الاستفهام طلب حقيقة الشيء.
وقولي في الخبر للفظين فأكثر، فإن أقل الخبر لفظان نحو زيد قائم، وقد يخبر بأكثر نحو: أكرم أخوك أباك يوم الجمعة متكئًا في الدور إلا دار زيد إجلالًا له وخالدًا، فهذا كله خبر واحد هو ومتعلقاته وخالدًا مفعول معه وإجلالًا مفعول لأجله (١) .
وقولي: أسند مسمى أحدهما إلى مسمى الآخر احتراز من قولنا زيد عمرو في الكلام غير المنتظم.
وقولي: يقبل التصديق والتكذيب احتراز من الإسناد بالإضافة نحو غلام زيد، أو الصفة نحو الرجل الصالح، وقولي: لذاته احتراز من تعذر قبوله لأحدهما لعارض من جهة المخبر أو المخبر عنه، فالأول خبر الله تعالى لا يقبل إلا الصدق، والثاني نحو قولنا الواحد نصف الاثنين لا يقبل إلا الصدق، والواحد نصف العشرة لا يقبل إلا الكذب، فلم يقبلها في هذه الأحوال، لكن هذه الأخبار بالنظر إليها من حيث إنها خبر تقبلهما إذا قطعنا النظر عن المخبر والمخبر عنه، وإنما جاء الامتناع لا من ذات الخبر فله من ذاته قبولهما (٢) .
_________
(١) وباقي إعراب المثال: أكرم فعل ماض. وأخوك فاعل. وأباك مفعول به، ويوم ظرف. والجمعة: مضاف إليه. ومتكئًا حال وفي الدور جار ومجرور. وإلا أداة استثناء. ودار مستثنى وزيد مضاف إليه. والمعروف أن أغلب ألفاظ المثال هي مكملات للجملة الرئيسية.
(٢) وهذه ما يعبرون عنه في علم البلاغة: أنا خبر ما يقبل الصدق والكذب لذاته.
1 / 41