الجواب أنه قد تقدم أن الاشتراك والمجاز يصح دخولهما في الحدود إذا كان السياق مرشدًا للمراد، والمراد (بما) هنا الموصولة، وبمن مجاز ابتداء الغاية وهو شبهة به من حيث النشأة من النواة وابتداؤها كما يبتدأ السير: أو تقول المراد مجاز التبعيض لا حقيقته، فإن النخلة بعضها من النواة لا كلها فجعلناها كلها جزءًا من النواة توسعًا من باب إطلاق لفظ الجزء على الكل (١)، وكذلك قولنا أصل الإنسان نطفة وأصل السنبلة برة،
ولهذه الأسئلة اختار سيف الدين قوله: «أصل الشيء ما يستند وجوده إليه من غير تأثير، احترازًا من استناد الممكن للصانع المؤثر»، فذكرت في هذا الكتاب في الأصل ثلاثة معان: منها واحد لغوي واثنان اصطلاحيان وبقي واحد لم أذكره هنا وذكرته في شرح المحصول وهو ما يقاس عليه، فإن من جملة ما يسمى أصلًا في الاصطلاح الأصل الذي يقاس عليه: كالحنطة يقاس عليها الأرز في تحريم الربا، فيصير الأصل أربعة معان.
والفقه هو الفهم والعلم والشعر والطب لغة، وإنما اختصت بعض هذه الألفاظ ببعض العلوم بسبب العرف.
كذلك نقله المازري في شرح البرهان، وتقول العرب رجل طب إذا كان عالمًا. وقال الشاعر:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب
أي عارف، وشعر بكذا إذا فهمه ومنه قوله تعالى: «وهم لا يشعرون» (٢)، أي لا يفهمون، ثم بعد ذلك اختص الطب بمعرفة مزاج الإنسان، والشعر بمعرفة الأوزان، والفقه بمعرفة الأحكام.
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: «الفقه في اللغة إدراك الأشياء الخفية فلذلك
_________
(١) في نسخة مخطوطة: إطلاق لفظ الكل على الجزء.
(٢) آيات كثيرة من القرآن فيها: وهم لا يشعرون. «فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون» (٩ الأعراف)، «وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون» (١٥ يوسف) . . الخ.
1 / 16