فقولها (هوت أمهم) دعاء عليهم في الظاهر، وهو دعاء لهم في الحقيقة، وحقيقة مثل هذا إنه يجري مجرى المدح والثناء عليهم، لا الدعاء لهم.
(تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيطُ بِنَا مَعًا: ... عَقَرْتَ بَعِيرِي - يَا امْرَأَ القَيْسِ - فَانْزِلِ)
الغبيط: الهودج بعينه، وقيل: قتب الهودج، وقيل: مركب من مراكب النساء، ونصب (معا) لأنه في موضع الحال من النون والألف، والعامل فيه مال، فأما قولك (جئت معها) فنصبها عند سيبويه على إنها ظرف، قال سيبويه: سألت الخليل عن قولهم (جئت معه) لم نصبت؟ فقال: لأنه كثر استعمالهم لها مضافة، فقالوا: جئت معه، وجئت معه، وجئت من معه، فصارت بمنزلة أمام - يعني أنها ظرف - فأما قول الشاعر:
فَرِيشِي مِنْكُمُ وَهَوَايَ مَعْكُمْ ... وإِنْ كَانَتْ زِيَارَتُكُمْ لِمَامَا
فعند أبي العباس إنه قدر مع حرفا بمنزلة في؛ لأن الأسماء لا يسكن حرفا الإعراب منها، وقوله (عقرت بعيري) قال أبو عبيدة: إنما قال عقرت بعيري ولم يقل ناقتي لأنهم يحملون النساء على الذكور؛ لأنها أقوى وأضبط، والبعير يقع على
المذكر والمؤنث، وإذا كان كذلك فلا فرق بين أن تقول بعيري وأن تقول ناقتي؛ لأن البعير يقع عليهما، والجملة التي هي قوله (وقد مال الغبيط بنا معا) في موضع الحال، وقوله (عقرت بعيري) مفعول تقول، وإنما مال الغبيط لأنه انثنى عليها يُقبِّلها فصارا معا في شق واحد.
1 / 18