بالأصوات وبصره بالذوات .. لاحتاجا إلى مخصص يخصصهما بذلك، وقد علمت أن التخصيص محال على صفاته؛ لأنه لا يقبله إلا الحادث، ومن ثم صح تخصيص سمع وبصر الحوادث -بما ذكر- على وجه مخصوص من القرب، وعدم الحائل، بل قد سمع موسى كلام الله القديم مع أنه ليس بحرف، ولا صوت، ولا في جهة، ولا مقابلة، ولا غير ذلك مما يلزم الحوادث.
وأما (الكلام): فصفة قديمة، قائمة بذاته تعالى، ليس بحرف، ولا صوت، ولا يقبل التقديم والتأخير، والطرو والعدم، دالة على معلوماته تعالى من واجب، وجائز، ومستحيل، هو بها آمرٌ ناه، واعد متوعد.
أما المقروء بألسنتنا، والمحفوظ في صدورنا، والمكتوب في مصاحفنا .. فكلام الله لغة وشرعًا.
وأما عقلًا .. فإنما سمي كلام الله بحسب الدلالة، أي: لمّا دل معناه على الكلام القديم .. سمي كلام الله، لا أن كلام الله حال في لسان القارئ، أو صدر الحافظ، أو المصاحف؛ إذ لا يقوم كلامه تعالى بغيره، ولا يتكلم به سواه، لكنه لما دل على كلامه تعالى .. سمي كلام الله، وحرم أن يقال: ليس هو كلامه.
وأجمعت الأمة على أن ذلك كلام الله تعالى، فله -ككل موجود- أربعة وجودات:
وجود لفظي، وهو في لسان القارئ، ووجود ذهني، وهو في الصدور، ووجود رسمي، وهو في المصاحف، ووجود حقيقي، لا هو في الألسن، ولا في الصدور، ولا في المصاحف، بل قائم بذاته تعالى، ولا يعلم حقيقته إلا هو تعالى.
دل على هذه الثلاث الصفات: الكتاب، والسنة، وإجماع أهل الحق.
وبرهانها أنه لو لم يتصف بها .. لاتصف بأضدادها من الصمم والعمى والبكم، والاتصاف بها نقص، والنقص عليه محال. تعالى الله علوًا كبيرًا.
ويلزم من اتصافه بهذه السبع: أنه حي بحياة، وعالم بعلم، ومريد بإرادة، وكذا الباقي.
وتسمى هذه الصفات المعنوية، أي: منسوبة لصفات المعاني؛ إذ اتصاف محل بكونه عالمًا -مثلًا- لا يصح إلا إذا قام به العلم، وتسمى أيضًا: أحوالًا معنوية.
والقائلون بالأحوال يقسمون الصفات إلى ثلاثة أقسام؛ لأن الصفة إن كانت موجودة
1 / 61