لحقيقة ذاته تعالى، وصفاته؛ بل نؤمن بها، ونكل علم حقيقتها إليه تعالى، كما قال الصديق: "العجز عن درك الإدراك إدراك". ولا يحتاج إلى زمان ولا مكان، بل كان في الأزل قبل خلقه الخلق ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان قبل حدوث الزمان والمكان مِنْ أنه لا هو في زمان ولا مكان، و(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:١١].
والرابع: (القيام بالنفس) وهو عند المتكلمين بمعنى الغنى عن المحل -أي: إن ذاته تعالى ليست صفة، فتحتاجَ إلى محل تقوم به- وعن المخَصِّص أي: الفاعل بمعنى أنه ليس حادثًا حتى يحتاج إلى محدث يحدثه، بل هو: ذات قديمة، وذلك يستلزم الغنى المطلق؛ إذ لو احتاجت لشيء ما .. لما كان قديما، كيف وهو قديم وغني عن كل شيء، وجميع من في الكون محتاج في كل لحظة إليه تعالى؟!.
وبه يبطل أيضًا قول المعتزلة: إنه يجب عليه الصلاح والأصلح؛ إذ لو وجب عليه شيء .. لكان محتاجًا الى تحصيله تعالى الله علوًا كبيرًا.
والخامس: (الوحدانية) -ومرَّ معناها قبيل قوله (المان بالنعم الجسام) - وبالجملة: فمعناها: نفي التعدد المتصل والمنفصل له تعالى في الذات، والصفات، والتفرد بالإيجاد والإعدام، فليست ذاته جسمًا، ولا له نظير في ذاته، ولا في صفة من صفاته، ولا فِعْل في الكون لغيره، كما قال الشواف رحمة الله عليه:
ما حد يحرك باعه ... في معصيهْ أو طاعهْ
إلا أن يحركها الله
وسئل الجنيد عن التوحيد فقال: أن ترى أن جميع حركات العباد وسكناتهم فعل الله، فإذا عرفت ذلك .. فقد وحدته.
ومرَّ أن الثواب والعقاب في أفعالنا الاختيارية إنما هو من حيث ما لنا فيها من الاختيار، وإلا .. فهي كغيرها مخلوقة لله تعالى.
واعلم أن هذه الست الصفات قد شهدت بديهة العقول بثبوتها له تعالى، ودل عليها من الكتاب والسنة ما لا يحصى.
والبرهان العقلي على ثبوتها له تعالى: إحداثه العالم؛ إذ يجب لمحدثه كونه موجودًا، قديمًا، باقيًا، مخالفًا للحوادث، قائمًا بنفسه، واحدًا؛ إذ المعدوم لا يُوجد شيئًا، ومن سبقه أو لحقه عدم، أو ماثل شيئًا من الحوادث، أو احتاج لشيء .. حادث.
أما من سبقه عدم أو لحقه .. فظاهر.
1 / 56