الأول والثاني: (القدم والبقاء)، وهما بمعنى عدم سبق العدم ولحوقه للوجود. فوجود مولانا لم يسبقه ولم يلحقه عدم.
وقُدم القدم؛ لاستلزامه البقاء ولا عكس؛ إذ من وجب قدمه .. استحال عدمه. فعلم أن القديم موجود لا أول له، بخلاف (الأزلي) فهو: ما لا أول له وجوديًا كان -كمولانا وصفاته الثبوتية- أو عدميًا، كعدم الخلائق في الأزل.
والثالث: المخالفة للحوادث من كل وجه؛ لأن العالم وصفاته كلها حادثة، وذاته تعالى وصفاته قديمة، ولو أشبه حادثًا ولو من وجه .. لتطرق إليه تعالى الحدوث كمشابهه؛ إذ المتماثلان يجب لكل منهما ما وجب لمماثله، وقد وجب الحدوث لمن فرضت مماثلته له، فليكن مماثله كذلك والحدوث عليه محال؛ لثبوت قدمه فالمماثلة محال أيضًا.
ومعنى (مخالفته للحوادث): سلب الجِرمية والعَرَضية ولوازمهما -من زمان ومكان ومقدار، ونحو ذلك من اجتماع وافتراق وغيرهما- عنه تعالى، فذاته تعالى ليست جرمًا، وصفاته ليست أعراضًا، وأفعاله ليست بمزاولة ومحاولة.
وبالجملة: فلا يتصف مولانا بشيء مما يتصف به الحوادث إلا من حيث موافقة اللفظ للفظ كالله كريم، وزيد كريم.
وفي الحقيقة لا مماثلة ولا مشابهة بين كرمه تعالى وكرم غيره.
وأما ما ورد في الكتاب والسنة مما يوهم جسمية أو جهة أو غيرهما مما هو منزه عنه .. فمصروف عن ظاهره إجماعًا؛ لمخالفته للأدلة العقلية، إذ الدليل الشرعي إذا خالف الدليل العقلي كما هنا .. علم أنه ليس المراد به ظاهره، فوجب صرفه عن ظاهره إجماعًا.
إما مع التفويض إليه تعالى وهو مذهب غالب السلف، أو مع التأويل وهو مذهب غالب الخلف؛ لاحتياجهم لذلك، لكثرة المبتدعة الملَبِّسين، فيقولون: معنى الوجه: الذات، واليد: القدرة، وهكذا.
والسلف يقولون: آمنا بأن له يدًا -مثلا- لكن لا تشبه أيدي المخلوقين، ولا يعلم حقيقتها إلا هو تعالى.
ومع كوننا يجب علينا الإيمان بمخالفته للحوادث يجب علينا أن نمسك عن التعرض
1 / 55