193

Шарх Мухтасар аль-Рауда

شرح مختصر الروضة

Редактор

عبد الله بن عبد المحسن التركي

Издатель

مؤسسة الرسالة

Издание

الأولى

Год публикации

١٤٠٧ هـ / ١٩٨٧ م

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُتَعَلِّقَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُشَاهَدًا - وَهُوَ النَّفْسُ - خَفِيَ أَمْرُهَا.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُفُّ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ؟ قُلْنَا: هَذَا سُؤَالٌ، يَتَعَلَّقُ جَوَابُهُ بِعُلُومِ الْبَاطِنِ، وَاسْتِقْصَاؤُهُ يَخْرُجُ بِنَا عَمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، مِنْ تَقْرِيرِ أُصُولِ الشَّرْعِ، لَكِنَّا نُشِيرُ إِلَى الْجَوَابِ إِشَارَةً خَفِيفَةً، فَنَقُولُ:
إِنَّ الْإِنْسَانَ عِبَارَةٌ عَنْ هَيْكَلٍ مَحْسُوسٍ، اشْتَمَلَ عَلَى جُمْلَةٍ مِنَ الْمَعَانِي، مِنْهَا: النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ وَالْهَوَى، وَمِنْهَا: الْعَقْلُ وَالْإِيمَانُ وَالْحَيَاءُ، فَالْمُتَوَجِّهُ إِلَى مُقَارَفَةِ الْمَعَاصِي، هُمَا الْمَعْنَيَانِ الْأَوَّلَانِ، وَالزَّاجِرُ عَنْهَا الْمُفَارِقُ لَهَا هُمَا الْمَعْنَيَانِ الْآخَرَانِ، وَهَمَا كَجَيْشَيْنِ فِي دَارٍ يَقْتَتِلَانِ وَيَتَضَادَّانِ، فَالْغَالِبُ مَنْ صَحِبَهُ التَّوْفِيقُ، وَالْمَغْلُوبُ مَنْ صَحِبَهُ الْخِذْلَانُ.
وَأَمَّا كَوْنُ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِعْلًا، فَلِأَنَّ الْمُرَادَ التَّلَبُّسُ بِضِدِّهِ، كَمَنْ نُهِيَ عَنِ الزِّنَى، فَتَشَاغَلَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، أَوْ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، فَتَلَبَّسَ بِالْإِفْطَارِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ضِدُّ الشَّيْءِ إِلَّا تَرْكَهُ، لَكَانَ فِعْلًا، لِأَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ فِعْلِهِ، وَالْإِعْرَاضُ فِعْلٌ، نَعَمْ، تَارَةً يَكُونُ بِالْبَدَنِ، فَيَظْهَرُ لِلْحِسِّ، وَتَارَةً يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَالنَّفْسِ، فَيُدْرَكُ عَقْلًا لَا حِسًّا. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ الْفَصِيحُ:
إِذَا انْصَرَفَتْ نَفْسِي عَنِ الشَّيْءِ لَمْ تَكُنْ ... إِلَى نَحْوِهِ مِنْ آخِرِ الدَّهْرِ تَرْجِعُ
فَوَصَفَ النَّفْسَ بِالِانْصِرَافِ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ.

1 / 244