ــ
العام، تنبيها على مزيته. وقال الراغب: النية تكون مصدرًا واسمًا من نويت، وهي توجه القلب نحو العمل. وقال القاضى: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا لغرض، من جلب نفع، أو دفع مضرة، حالا أو مآلا. والشرع خصصها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى وامتثالا لحكمه، والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوى؛ ليحسن تطبيقه لما بعده، وتقسيمه بقوله: (من كانت هجرته إلى الله) إلى آخره، فإنه تفصيل لما أجمله، واستنباط المقصود عما أصله.
أقول -والعلم عند الله تعالى-:كل واحد من (الأعمال) و(النيات) جمع محلى بلام الاستغراق، فإما أن يحمل على عرف اللغة فيكون الاستغراق حقيقًا، وإما أن يحمل على عرف الشرع، وحينئذ إما أن يراد بالأعمال الواجبات والمندوبات والمباحات، وبالنيات الإخلاص والرياء، أو أن يراد بالأعمال الواجبات ما لا يصح إلا بالنية، كالطهارة والصلاة والصيام. ولا سبيل إلى الأول أى اللغوى لأنه ﷺ ما بعث إلا لبيان الشرع، فكيف يتصدى لما جدوى له فيه؟ على أن (إنما) يستعمل فى رد من عنده حكم مشوب بخطأ وصواب، ومن كان عارفًا اللغات لا يخطئ في استعمال اللغة حتى يرد حكمه إلى الصواب بإنما، لاسيما تكراره في الحديث فإنه يدل على إثبات أمر خطير في الشرع، فحينئذ يحمل قوله: (إنما الأعمال بالنيات) على ما اتفقت عليه الفقهاء من أصحابنا، أى ما الأعمال محسوبة بشئ من الأشياء كالششروع فيها والتلبس بها إلا بالنيات، وما خلا عنها لم يعتد بها. فإن قيل: لم خصصت متعلق الخبر والظاهر العموم كمستقر أو حاصل؟ فالجواب أنه يكون بيانًا للغة، لا إثبات حكم في الشرع، وقد سبق بطلانه.
ويحمل قوله: (إنما لامرئ ما نوى) إلى آخره على ما تثمره النيات من القبول والرد، والثواب والعقاب، وغير ذلك. ففهم من الأول أن الأعمال لا تكون محسوبة ومسقطة للقضاء إلا إذا كانت مقرونة بالنيات، ومن الثانى أن النيات إنما تكون متعددة ومقبولة إذا كانت مقرونة بالإخلاص، مبعدة عن الرياء، فالأول قصر المسند إليه في المسند، والثاني عكسه. وتقرب منها الصلاة في الأرض المغصوبة، فإنها محسوبة ومسقطة للقضاء. لكن إيقاعها فيها حرام يستحق به العقاب.
وقال الشيخ محيي الدين النووى: قال أصحابنا: الفروض وغيرها من الواجبات إذا أتى بها على وجهها الكامل يترتب عليها شيئان: سقوط الفرض عنه، وحصول الثواب، فإذا أداها في أرض مغصوبة حصل الأول دون الثاني. وتحريره أن قوله: (وإنما لا مرئ ما نوى) دل على أن الأعمال تحسب بحسب النية، إن كانت خالصة لله تعالى وإن كانت الدنيا فهى
2 / 418