الكلمة التاسعة قولة عليه السلام: الشرف بالعقل والأدب لا بالحسب والنسب.
أقول: الشرف العلو في المرتبة، وما العقل فقد عرفت حقيقته وأقسامه ومراتبه، واما الأدب فهو اصلاح القوة العملية بجماع مكارم الأخلاق، واما الحسب فهو الكفاية من المال وما يجرى مجراه وإن كان قد يراد به ما يؤثر من المكارم أيضا ولكنه بهذا المعنى يكون من اجزاء الشرف، والنسب الأصل.
واما بيان هذا الحكم انك قد علمت أن الكمال الذي يخص الانسان على قسمين، وذلك لأنك علمت أن لنفسه قوتين، نظرية وعملية فلذلك كان كمال إحداهما وهي النظرية تحصيل المعارف الحقيقية والعلوم اليقينية وكان كمال الأخرى وهي العملية وغايتها نظم الأمور وترتيبها فإذا حصل للانسان الكمال في هاتين القوتين فقد سعد السعادة التامة، اما كماله النظري فان يحصل لنفسه المعقولات الأولى التي هي العلوم الأولية المعدة لتحصيل المعقولات الثانية وينتهى في الترقي إلى درجة العقل المستفاد كما قررناه، واما كماله بحسب قوته العملية فهو الكمال الخلقي ومبدؤه من ترتيب قواه وافعاله الخاصة بها حتى لا تتغالب (1) وتتسالم فيه بحسب تمييز قوته النظرية مترتبة منظومة كما ينبغي وينتهى إلى الترتيب المديني (2) الذي يترتب فيه الافعال والقوى بين الناس حتى ينتظموا كذلك (3) الانتظام ويسعدوا سعادة مشتركة كما وقع ذلك في الشخص الواحد فإذا الكمال الأول بمنزلة الجزء الصوري والكمال الثاني بمنزلة الجزء المادي ولا تمام لأحدهما دون الاخر (4) فان بالعمل يتم العلم والمبدأ بلا تمام ضائع، والعلم مبدء للعمل والتمام بلا مبدء ممتنع، وفى كلام علي عليه السلام: " العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل، والعلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل " وهو يحقق ما قلناه، فإذا بلغ الانسان إلى النهاية في هاتين المرتبتين
Страница 65