Шарх Макасид
شرح المقاصد في علم الكلام
Издатель
دار المعارف النعمانية
Номер издания
الأولى
Год публикации
1401هـ - 1981م
Место издания
باكستان
Жанры
والثاني بأنه تمثيل بلا جامع ومنها ما قال الجبائي أن الاعتماد لا يولد حركة ولا سكونا وإنما يولدهما الحركة فإن من فتح بابا أو رمى حجرا فما لم تتحرك يده لم يتحرك المفتاح ولا الحجر ثم حركة المفتاح أو الحجر يولد سكونه في المقصد وقال أبو هاشم بل المولد لهما الاعتماد لأنه إذا نصب عمود قائم وأدعم بدعامة فاعتمد عليه إنسان إلى جهة الدعامة ثم أزيلت الدعامة فإن العمود يتحرك إلى جهتها ويسقط وإن لم يتحرك المعتمد وكلاهما ضعيف إذ لا دلالة على الانحصار فيجوز أن يكون المولد هو الحركة تارة والاعتماد أخرى وكذا ما قيل أن حركة الرامي متأخرة عن حركة الحجر لأنه مالم يندفع عن حيزه امتنع انتقال يد الرامي إليه لاستحالة تداخل الجسمين في حيز لأنه إن أريد التأخر بالزمان فاستحالة التداخل لا يوجبه لجواز أن يكون اندفاع هذا وانتقال ذاك في زمان واحد كما في أجزاء الحلقة التي تدور على نفسها بل الأمر كذلك والألزم الانفصال وإن أريد بالذات فالأمر بالعكس إذ مالم تتحرك اليد لم يتحرك الحجر ولهذا يصح أن يقال تحركت اليد فتحرك الحجر دون العكس فالأقرب أن المولد للحركة والسكون قد يكون هو الحركة وقد يكون الاعتماد فإنه يولد أشياء مختلفة من الحركات وغيرها بعضها لذاته من غير شرط كتوليده الحركة على ما سبق من أنه السبب القريب للحركة وبعضها لذاته بشرط كتوليده الأوضاع المختلفة للجسم بشرط حركاته وكتوليده عود الجسم إلى حيزه الطبيعي بشرط خروجه عنه وكتوليده الأصوات بشرط المصاكة وبعضها لا لذاته كتوليده المجاورة المولدة للتأليف وكتوليده تفرق الاتصال المولد للألم ( قال والفلاسفة يسمونه ) أي الاعتماد ميلا ويقسمونه إلى الطبيعي والقسري والنفساني لأن مبدأه وما ينبعث هو عنه إن كان أمرا خارجا عن محله فقسري كميل السهم المرمي إلى فوق وإلا فإن كان مع قصد وشعور فنفساني كاعتماد الإنسان على غيره وإلا فطبيعي سواء اقتضته القوة على وتيرة واحدة أبدا كميل الحجر المسكن في الجو أو اقتضته على وتائر مختلفة كميل النبات إلى التبرز والتربد ومنهم من سمى المقرون بالقصد والشعور إراديا وجعل النفساني أعم منه ومن أحد قسمي الطبيعي أعني مالا يكون على وتيرة واحدة لاختصاصه بذوات الأنفس فربما يختلف على حسب اقتضاء النفس فبهذا الاعتبار يسمى ميل النبات نفسانيا ومنهم من جعله خارجا عن الأقسام لكونه مركبا على ما سيأتي في بحث الحركة مع زيادة كلام في هذا الباب ثم أنهم قد ذكروا أحكاما تدل على ترددهم في أن الميل نفس المدافعة المحسوسة أو مبدأها القريب الذي يوجد عند كون الحجر صاعدا في الهواء أو ساكنا على الأرض فمنها أن الميل الطبيعي لا يوجد في الجسم عند كونه في حيزه الطبيعي وإلا فإما أن يميل إليه فيلزم طلب حصول الحاصل أو عنه فيلزم أن يكون المطلوب بالطبع متروكا بالطبع ولا يتأتى هذا في مبدأ الميل إذ ربما يتخلف الأثر عنه لفقد شرط أو وجود مانع ومنها أن الميل الطبيعي لا يجامع الميل القسري إلى جهتين لأن امتناع المدافعة إلى جهة مع المدافعة عنها ضروري فالحجر المرمي إلى فوق لا يكون فيه مدافعة هابطة بالفعل بل بالقوة بمعنى أن من شأنه أن يوجد فيه ذلك عند زوال غلبة القوة القسرية وأما إلى جهة واحدة فقد يجتمعان كما في الحجر المدفوع إلى أسفل فإن فيه مدافعة هابطة يقتضيها الحجر إذا خلي وطبعه وأخرى أحدثها فيه القاسر على حسب قوته وقصده ولهذا يكون حركته حينئذ أسرع مما إذا سقط بنفسه فهبط وتتفاوت تلك السرعة بتفاوت قوة القاسر ومنها ما ذكروا في بيان سبب أن الحجر الذي يتحرك صاعدا بالقسر ثم يرجع هابطا بالطبع أن حركته القسرية تشتد ابتداء وتضعف عند القرب من النهاية والطبيعية بالعكس لأن ميله القسري يزداد ضعفا بمصاكات تتصل عليه من مقاومة الهواء المخروق فيزداد الميل الطبيعي أعني مبدأ المدافعة قوة إلى أن يتعادلا ثم يأخذ القسري في الانتقاص والطبيعي في الغلبة فيأخذ حركته في الاشتداد ومنها استدلالهم على وجود الميل الطبيعي بأن الحجرين المرميين بقوة واحدة إذا اختلفا في الصغر والكبر اختلفت حركتاهما في السرعة والبطء وليس ذاك إلا لكون المقاوم الذي هو الميل الطبيعي أعني مبدأ المدافعة في الكبير أكثر منه في الصغير لأن التقدير عدم التفاوت في الفاعل والقابل إلا بذلك وأجاب الإمام بأن الطبيعة قوة سارية في الجسم منقسمة بانقسامه فيكون في الكبير أكثر وبزيادة المقاومة أجدر والفلاسفة يزعمون أنها أمر ثابت ليس مما يشتد ويضعف أو ما يقل ويكثر في الجسم الواحد حتى أن طبيعة كل الماء وبعضه واحد ولا يتبين الحق من ذلك إلا بمعرفة حقيقة ما هو المراد بالطبيعة ههنا وهم لم يزيدوا على أن الطبيعة قد يقال لما يصدر عنه الحركة والسكون أو لا وبالذات دون شعور وإرادة وقد يقال لما يصدر عنه أمر لا يتخلف عنه ولا يفتقر الصدور إلى علة خارجة عنه كنزول الحجر إلى السفل وقد يخص بما يصدر عنه الحركات على نهج واحد دون شعور وقد تسمى كل قوة جسمانية طبيعة وشيء من ذلك لا يفيد معرفة حقيقية وأما إطلاقها على المزاج أو على الكيفية الغالبة من الكيفيات المتضادة أو على الحرارة الغريزية أو على النفس النباتية أو نحو ذلك على ما يذكره الأطباء فمختص بالمركبات ( قال النوع الثاني المبصرات ) ذهبت الفلاسفة إلى أن المبصر أولا وبالذات هو الضوء واللون وإن كان الثاني مشروطا بالأول وقد يبصر بتوسطهما مالا يعد في الكيفيات المحسوسة من الكيفيات المختصة بالكميات من المقادير والأوضاع وغير ذلك كالاستقامة والانحناء والتحدب والتقعر وسائر الأشكال وكالطول والقصر والصغر والكبر والقرب والبعد والتفرق والاتصال والحركة والسكون والضحك والبكاء والحسن والقبح وغير ذلك وأما ما يتوهم من أبصار مثل الرطوبة واليبوسة والملاسة والخشونة فمبني على أنه يبصر ملزوماتها كالسيلان والتماسك الراجعين إلى الحركة والسكون وكاستواء الأجزاء في الوضع واختلافها فيه ( قال المبحث الأول ) حقايق الألوان بل جميع المحسوسات ظاهرة غنية عن البيان ولا خفاء في تضاد السواد والبياض لما بينهما من غاية الخلاف لكونهما طرفي الألوان وأما ما بينهما من الحمرة والصفرة وغير ذلك فعند المحققين أنواع متباينة يختص كل منها بآثار مختلفة وليست بمتضادة إن اشترط بين المتضادين غاية الخلاف وإلا فمتضادة قال والتحقيق الظاهر من كلام القوم أن أنواع اللون هي السواد والبياض والحمرة والصفرة وغير ذلك وأنواع الكيفيات الملموسة هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك إلا أن التحقيق هو أن أنواع اللون هي البياضات المخصوصة التي لا تتفاوت بأفرادها كبياض الثلج مثلا وكذا في السواد وغيره بل في كل ما يقال بالتشكيك حتى أن النوع من الملموسات ليس مطلق الحرارة بل الحرارة المخصوصة التي تكون في أفرادها على السوية كحرارة النار الصرفة مثلا والنوع من المبصرات ليس مطلق الضوء بل الضوء الخاص الذي لا يتفاوت فيه أفراده كضوء الشمس مثلا وإنما يقع الاشتباه من جهة أن الأنواع قد يكون لجملة جملة منها عارض خاص واسم خاص كالبياضات المشتركة في تفريق البصر وفي اسم البياض والسوادات المشتركة في قبض البصر وفي اسم السواد وكالحرارات والبرودات ونحو ذلك فيتوهم أن تلك الجملة نوع واحد بخلاف الأضواء فإنه لا ينفرد جملة جملة منها بعارض واسم فلا يتوهم ذلك فيه بل ربما يتوهم كون المجموع نوعا واحدا واللون والضوء قد وقعا في مرتبة واحدة من البصرات إلا أن اللون جنس الألوان بخلاف الضوء لما فيه من التفاوت والضوء يوهم نوعيته لتقارب أنواعه بخلاف اللون وإنما توهم ذلك في جملة جملة من أنواعه كالبياض مثلا لتقارب أنواع البياض وكالسواد لتقارب أنواع السواد وعلى هذا القياس فصار الضوء بمنزلة البياض مثلا في أنه ليس نوعا لما تحته ولا جنسا بل عارضا ومبنى ذلك على ما تقرر عندهم من أن القول بالتشكيك لا يكون إلا عارضا لامتناع التفاوت في الماهية وذاتياتها لأن الأمر الذي به يتحقق التفاوت حيث يوجد في الأشد دون الأضعف إن لم يكن داخلا في الماهية لم يتحقق التفاوت فيها بل كانت في الكل على السواء وإن كان داخلا فيها لم يتحقق اشتراك الأضعف فيها لانتفاء بعض الأجزاء مثلا الخصوصية التي توجد في نور الشمس دون القمر إن كانت من ذاتيات الضوء لم يكن ما في القمر ضوأ وإلا لم يكن تفاوت النورين في نفس الماهية فإن قيل لو صح هذا الدليل لزم أن لا يكون العارض أيضا مقولا بالتشكيك قابلا للشدة والضعف لأن القدر الزائد إما داخل في مفهوم العارض وماهيته فلا اشتراك للأضعف فيه وإما غير داخل فلا تفاوت لأن ما هو مفهوم العارض فيهما على السواء مثلا الخصوصية التي توجد في بياض الثلج دون العاج إن كانت مأخوذة في مفهوم البياض لم يكن ما في العاج من معروضاته وإلا لكان مفهوم البياض فيهما على السواء أجيب بأنه داخل في ماهية المعروض الأشد وإن لم يدخل في ماهية العارض ولا في ماهية المعروض الأضعف ولا يلزم من عدم دخوله في مفهوم العارض تساويه في جميع المعروضات ولقائل أن يقول فيتوجه مثله على الدليل المذكور على امتناع تفاوت الماهية وذلك أنه كما جاز التفاوت في التعارض باعتبار أمر خارج عنه داخل في ماهية بعض المعروضات فلم لا يجوز في الماهية باعتبار أمر خارج عنها داخل في هوية بعض الأفراد مثلا يكون النور تمام ماهية الأنوار أو جنسا لها وتكون الخصوصية التي في نور الشمس أمرا خارجا عن حقيقة النور داخلا في هوية نور الشمس وعلى هذا القياس وتوجيه المنع أنا لانم أن القدر الزائد إذا كان خارجا عن الماهية كانت الماهية في الكل على السواء وإنما يلزم لو لم يكن ذلك زيادة من جنس الماهية وإذا تحققت فلا عبرة بكونه داخلا في ماهية المعروض حتى لو فرضنا الخصوصية التي في نور الشمس من عوارضه كان التفاوت بحاله وإنما العبرة بكونه من جنس العارض وزيادة فيه فإن الخصوصية التي في نور الشمس وبياض الثلج وحرارة النار ليست إلا زيادة نور وبياض وحرارة ولا يمتنع مثل ذلك في الماهية وذاتياتها والحاصل أن عدم دخول القدر الزائد الذي به التفاوت في المعنى المشترك الذي فيه التفاوت إن كان مانعا من التفاوت لزم عدم تفاوت شيء من المفهومات في أفراده سواء كان عارضا لها أو ذاتيا وهو معنى النقض وإن لم يكن مانعا لم يتم الدليل على امتناع تفاوت الماهية وذاتياتها ومن ههنا ذهب بعضهم إلى أن نفي التشكيك مطلقا تمسكا بالدليل المذكور وجوز بعضهم التشكيك والتفاوت في الماهية وذاتياتها نظرا إلى عدم دليل الامتناع بل ادعوا أن تفاوت الخط الأطول والأقصر تفاوت في الماهية الخطية وأنها في الأطول أكمل وفي الأقصر أنقص لأن الزيادة التي في الأطول من جنس الخط وإن لم يكن داخلا في ماهيته وإن ادعى التفرقة بين ما إذا كان ذلك القدر الخارج عن المعنى المشترك داخلا في ماهية الأشد وبين ما إذا كان داخلا في مجرد هويته لم يكن بد من البيان مع أن الدليل المذكور لا يتم حينئذ في أجزاء الماهية لجواز أن يكون ما به يتفاوت الجنس خارجا عنه داخلا في ماهية بعض أنواعه قال المبحث الثاني زعم بعضهم أنه لا حقيقة للون أصلا والبياض إنما يتخيل من مخالطة الهواء للأجسام الشفافة المتصغرة جدا كما في الثلج فإنه لا سبب هناك سوى مخالطة الهواء ونفوذ الضوء في أجزاء صغار جمدية شفافة وكذا في زبد الماء والمسحوق من البلور والزجاج الصافي والسواد يتخيل من عدم غور الضوء في الجسم لكثافته واندماج أجزائه وباقي الألوان تتخيل بحسب اختلاف الشفيف وتفاوت مخالطة الهواء وقد يستند السواد إلى الماء نظرا إلى أنه يخرج الهواء فلا يكمل نفوذ الضوء إلى السطوح ولهذا يميل الثوب المبلول إلى السواد والمحققون على أنها كيفيات متحققة لا متخيلة وظهورها في الصور المذكورة بالأسباب المذكورة لا ينافي تحققها ولا حدوثها بأسباب أخر على ما قال ابن سينا أنه لا شك في أن اختلاط الهواء بالمنشف سبب لظهور اللون الأبيض ولكنا ندعي أن البياض قد يحدث من غير هذا الوجه كما في البيض المسلوق فإنه يصير أشد بياضا مع أن النار لم تحدث فيه تخلخلا وهوائية بل أخرجت الهوائية عنه ولهذا صار أثقل وكما في الدواء المسمى بلبن العذراء فإنه يكون من خل طبخ فيه المرداسنج حتى انحل فيه ثم يصفى حتى يبقى الخل في غاية الإشفاف ثم يطبخ المرداسنج في ماء طبخ فيه القلي ويبالغ في تصفيته ثم يخلط الماآن فينعقد فيه المنحل الشفاف من المرداسنج ويصير في غاية البياض ثم يجف وما ذاك بحدوث تفرق في شفاف ونفوذ هواء فيه فإنه كان متفرقا منحلا في الخل ولا لتقارب أجزاء متفرقة وانعكاس ضوء البعض إلى البعض لأن حدة ماء القلي بالتفريق أولى بل ذلك على سبيل الاستحالة وكما في الجص فإنه يبيض بالطبخ بالنار ولا يبيض بالسحق والتصويل مع أن تفرق الأجزاء ومداخلة الهواء فيه أظهر فظهر أن ابن سينا لم ينكر حصول البياض في الثلج وزبد الماء ومسحوق البلور والزجاج ونحو ذلك مما لا سبب فيه سوى مخالطة الهواء بالمشف بل ادعى حصوله بأسباب أخر بعدما كان لا يعلم حصوله إلا بهذا السبب على ما قال في موضع من الشفاء لا أعلم هل يحصل البياض بسبب آخر أم لا وكان صاحب المواقف فهم وحاشاه عن سوء الفهم من بعض عبارات الشفاء حيث يقول وفي بيان سبب البياض في الصور المذكورة أن اختلاط الهواء بالمشف على الوجه المخصوص سبب لظهور لون أبيض ولرؤية لون هو البياض أنه ينكر وجود البياض فيها بالحقيقة فنسبه إلى السفسطة ومما استدل به في الشفاء على حصول البياض من غير اختلاط الهواء بالمشف أمران أحدهما اختلاف طرف الاتجاه من البياض إلى السواد حيث يكون من البياض تارة إلى الغبرة ثم العودية ثم السواد وتارة إلى الحمرة ثم القتمة ثم السواد وتارة إلى الخضرة ثم النبلية ثم السواد فإنه يدل على اختلاف ما يتركب عنه الألوان إذ لو لم يكن إلا السواد والبياض ولم يكن البياض إلا بمخالطة الهواء للأجزاء الشفافة لم يكن في تركيب السواد والبياض إلا الأخذ في طريق واحد وإن وقع فيه اختلاف فبالشدة والضعف وثانيهما انعكاس الحمرة والخضرة ونحو ذلك من الألوان فإنه لو كان اختلاف الألوان لاختلاط الشفاف بغيره لوجب أن لا ينعكس من الأحمر والأخضر إلا البياض لأن السواد لا ينعكس بحكم التجربة ودلالة هذين الوجهين على أن سبب اختلاف الألوان لا يجب أن يكون هو التركب من السواد والبياض أظهر من دلالته على أن سبب البياض لا يجب أن يكون هو مخالطة الهواء للأجزاء الشفافة مع أن في الملازمتين نظرا لجواز أن يقع تركب السواد والبياض على أنحاء مختلفة وأن ينعكس السواد عند الاختلاط والامتزاج وإن لم ينعكس عند الانفراد وقد اقتصر بعضهم على نفي البياض وأثبت السواد تمسكا بأن البياض ينسلخ ويقبل محله الألوان بخلاف السواد ورد بعد ثبوت الأمرين بأنه يجوز أن يكون الحقيقي مفارقا والتخيلي لازما لزوال سبب الأول ولزوم سبب التخيلي لا يقال البياض يقبل محله جميع الألوان وكل ما يقبل الشيء فهو عار عنه ضرورة تنافي القبول والفعل لأنا نجيب بمنع الصغرى فإنه إنما يقبل ما سوى البياض الذي فيه فلا يلزم إلا عراؤه عنها وإن أريد بالقبول معنى الإمكان بحيث يجامع الفعل منعنا الكبرى وهو ظاهر وقد يقال لو كان القابل للشيء واجب العراء عنه لكان ممتنع الاتصاف به وهو باطل وليس بشيء لأن القضية مشروطة فلا يلزم إلا امتناع الاتصاف ما دام قابلا وهو حق قال وقيل القائلون يكون السواد والبياض كيفيتين حيقيتين منهم من زعم أنهما أصل الألوان والبواقي بالتركيب لما نشاهد من أن البياض والسواد وإن اختلطا وحدهما حصلت الغبرة وإن خالط السواد ضوأ كما في الغمامة التي تشرق عليها الشمس والدخان الذي يخالطه النار فإن كان السواد غالبا حصلت الحمرة وإن اشتدت الغلبة حصلت القتمة وإن غلب الضوء حصلت الصفرة ثم إن الصفرة إذا خالطها سواد مشرق حصلت الخضرة ثم إن الخضرة إذا انضم إليها سواد آخر حصلت الكراثية وإذا انضم إليها بياض حصلت الزنجارية ثم الكراثية إن خالطها سواد وقليل حمرة حصلت النبلية ثم النبلية إن خالطها حمرة حصلت الأرجوانية وعلى هذا القياس ومنهم من زعم أن الأصل هو السواد والبياض والحمرة والصفرة والخضرة والبواقي بالتركيب بحكم المشاهدة ولا يخفى أنهما إنما يفيدان التركيب المخصوص بقيد اللون المخصوص وأما أن ذلك اللون لا يحصل إلا من هذا التركيب ولا يكون حقيقة مفردة فلا قال المبحث الثالث الضوء غني عن التعريف كسائر المحسوسات وتعريفه بأنه كيفية هي كمال أول للشفاف من حيث هو شفاف أو بأنه كيفية لا يتوقف الإبصار بها على الإبصار بشيء آخر تعريف بالأخفى وكان المراد التنبيه على بعض الخواص والضوء إن كان من ذات المحل بأن لا يكون فائضا عليه من مقابلة جسم آخر مضى فذاتي كما للشمس ويسمى ضياء وإلا فعرضى كما للقمر ويسمى نورا أخذا من قوله تعالى
﴿هو الذي جعل الشمس ضياء﴾
أي ذات ضياء والقمر نورا أي ذا نور والعرضى إن كان حصوله من مقابلة المضي لذاته كضوء جرم القمر وضوء وجه الأرض المقابل للشمس فهو الضوء الأول وإن كان من مقابلة المضيء لغيره كضوء وجه الأرض قبل طلوع الشمس من مقابلة الهواء المقابل للشمس وكضوء داخل البيت الذي في الدار من مقابلة هواء الدار المضيء من مقابلة الهواء المقابل للشمس أو لهواء آخر يقابلها فهو الضوء الثاني والثالث وهلم جرا على اختلاف الوسائط بينه وبين المضيء بالذات إلى أن ينتهي الضوء بالكلية وينعدم وهو الظلمة أعني عدم الضوء عما من شأنه فهو عدم ملكة للضوء لا كيفية وجودية على ما ذهب إليه البعض وإلا لكان مانعا للجالس في الغار من إبصار من هو في هواء مضيء خارج الغار كما أنه مانع له من إبصار من هو في الغار وذلك للقطع بعدم الفرق في الحائل المانع من الإبصار بين أن يكون محيطا بالرأي وبالمرئي أو متوسطا بينهما وربما يمنع ذلك بأنه ليس بمانع بل أحاطة الضوء بالمرئي شرط للرؤية وهو منتف في الغار لكنه لا يتأتى على قولهم الظلمة كيفية مانعة من الإبصار تمسك القائلون بكونها وجودية بقوله تعالى
﴿وجعل الظلمات والنور﴾
فإن المجعول لا يكون إلا موجودا وأجيب بالمنع فإن الجاعل كما يجعل الوجود بجعل العدم الخاص كالعمى فإنما المنافي للمجعولية هو العدم الصرف ( قال ولهم تردد ) لا خلاف بين المحققين من الحكماء في إضاءة الهواء وإنما الخلاف في أن محل الضوء هو نفس الهواء الصرف أو ما يخالطه من الأجزاء البخارية أو الدخانية أو نحو ذلك احتج الأولون بما يشاهد من الهواء المضيء في أفق المشرق وقت الصباح وبأنه لو لم يكن مضيئا لوجب أن يرى بالنهار الكواكب التي في الجهة المخالفة للشمس إذ لا مانع سوى انفعال الحس عن ضوء أقوى وضعفهما ظاهر لأن الكلام في الهواء الصرف والأقرب ما ذكره الإمام وهو أن أضاءة الهواء لو كان بسبب مخالطة الأجزاء لكان الهواء كلما كان أصفى كان أقل ضوءا وكلما كان أكدر وأغلظ فأكثر والأمر بالعكس وفيه أيضا ضعف لجواز أن يكون الموجب مخالطة الأجزاء إلى حد مخصوص إذا تجاوزه أخذ الضوء في النقصان وحاصله أنه يجوز أن يضره الإفراط كما يضره التفريط تمسك الآخرون بأنه لو تكيف بالضوء لوجب أن يحس به مضيئا كالجدار واللازم باطل لأن الهواء غير مرئي ورد يمنع الملازمة إذ من شرائط الرؤية اللون ولا لون للهواء الصرف قال وأما الظل فهو ما يحصل أي الضوء الحاصل من الهواء المضيء بالمضيء بالذات كالشمس والنار أو بالغير كالقمر وقد يفسر بالضوء المستفاد والمضيء بالغير ولا خفاء في صدقه على الضوء الحاصل من مقابلة جرم القمر مع أنه ليس بظل وفاقا وما ذكر في المواقف من أن مراتب الظل تختلف قوة وضعفا بحسب اختلاف الأسباب والمعدات كما يشاهد في اختلاف ضوء البيت بحسب كبر الكوة وصغرها حتى أنه ينقسم إلى مالا نهاية له انقسام الكوة فمبني على ما يراه الحكماء من عدم تناهي انقسامات الأجسام والمقادير وما يتبعها وإن كانت محصورة بين حاصرين حتى أن الذراع الواحد يقبل الإنقسام إلى ما لا نهاية له ولو بالفرض والوهم وما تقرر من أن المحصور بين حاصرين لا يكون إلا متناهيا فمعناه بحسب الكمية الاتصالية أو الانفصالية لا بحسب قبول الانقسام قال وإذا كان قد يشاهد للضوء ترقرق وتلألؤ على الجسم حتى كأنه شيء يفيض منه ويضطرب مجيئا وذهابا بحيث يكاد يستره فإن كان ذاتيا كما للشمس سمي شعاعا وإن كان عرضيا كما للمرآة سمي بريقا قال المبحث الرابع زعم بعض الحكماء أن الضوء أجسام صغار تنفصل من المضيء وتتصل بالمستضيء تمسكا بأنه متحرك بالذات وكل متحرك بالذات جسم إما الكبرى فظاهرة وإنما قيدنا بالذات لأن الأعراض تتحرك بتبعية المحل وأما الصغرى فلان الضوء ينحدرمن الشمس إلى الأرض ويتبع المضيء في الانتقال من مكان إلى مكان كما نشاهد في السراج المنقول من موضع إلى موضع وينعكس مما يلقاه إلى غيره وكل ذلك حركة والجواب المنع بل كل ذلك حدوث للضوء في المقابل للمضيء والحركة وهم ويدل على بطلان هذا الرأي وجوه
الأول أنه لو كان جسما متحركا لامتنعت حركته إلى جهات مختلفة ضرورة إنها ليست بالقسر والإرادة بل بالطبع والحركة بالطبع إنما تكون إلى العلو أو السفل
الثاني إنه لو كان جسما لامتنعت حركته في لحظة من فلك الشمس إلى الأرض مع خرق الأفلاك التي تحته
Страница 215