شرح لمعة الاعتقاد للمحمود
شرح لمعة الاعتقاد للمحمود
Жанры
سبب تأويل المتكلمين للصفات الفعلية والرد عليهم
وبعض المتكلمين تأول مثل هذه الصفات وقال: إنه لا يجوز أن نثبتها لله ﷾؛ لأن الصفات الفعلية التي هي المجيء والإتيان والاستواء والنزول والغضب والرضا وغيرها يلزم منها حلول الحوادث في ذات الله تعالى؛ ومقصودهم بحلول الحوادث أن كل جسم حلت فيه الحوادث والتغيرات -سواء كانت هذه الحوادث سقمًا أو مرضًا أو نقصًا أو نحو ذلك أو كانت أفعالًا مثل حركة وتلون وغير ذلك -أنه يكون حادثًا؛ فكل جسم حلت فيه هذه الأشياء فهو دليل على حدوثه! واستدلوا على حدوث العالم بهذه القاعدة، فقالوا: دليلنا على أن العالم حادث، وأنه غير أزلي، وأن كلام الفلاسفة بأن العالم قديم باطل، هو أن هذا العالم فيه متغيرات: شمس وقمر وكوكب وأرض وغير ذلك، هذه المتغيرات تدل على أنه حادث.
وبعد أن قرروا هذه القاعدة، واحتجوا بهذا الدليل، وردوا به على الفلاسفة، وظنوا أنهم قصموا ظهور الفلاسفة القائلين بقدم العالم بهذا الدليل، انتكس عليهم هذا الدليل؛ لأنه دليل ضعيف فيما عندهم من عقيدة، فقيل لهم: إذا قلتم إن هذا الدليل صحيح، إذًا الله ﷾ أيضًا متصف بهذه الصفات التي أنتم تسمونها حوادث؛ فالله لم يكن مستويًا على العرش فخلق العرش ثم استوى على العرش! والله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، والله يجيء يوم القيامة، إذًا: هذه كلها يلزم منها متغيرات، ويلزم منها الحركة، وهذه صفات الإنسان، فينتفي وجه الاعتراض.
وفعلًا هم لما قيل لهم بهذا الاعتراض، قالوا: إذًا ننفي عن الله الصفات الفعلية، وهذا في الحقيقة أمر عجيب جدًا! والمشكلة أن هذه القضية نشأت منذ زمن طويل قبل الأشاعرة وقبل الماتريدية، أي أنها نشأت منذ عهد ابن كلاب الذي كان سابقًا قليلًا للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، فإن ابن كلاب لما جاء وجد الناس في عصره على طريقتين: الأولى: طريقة أهل السنة والجماعة الذين يثبتون جميع الصفات دون أن يفرقوا فيها بين صفات الذات وصفات الفعل الخبرية وغير الخبرية، بل يثبتون الجميع؛ لأن منهجهم واحد، ولا فرق بين الصفات.
الثانية: الجهمية المعتزلة الذين ينفون عن الله جميع الصفات، ولا يفرقون بين العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والعلم والوجه واليدين وغير ذلك؛ فينفون عن الله ﷾ جميع الصفات.
ونظرًا لأنه دخل في باب من أبواب علم الكلام، وهو دليل حدوث العالم واقتنع بذلك الدليل الباطل، نظرًا لذلك فإن ابن كلاب أتى بمذهب جديد، جمع فيه بين مذهب السلف ومذهب المعتزلة، فأثبت لله الصفات، لكن نفى عن الله ما يتعلق بمشيئته وإرادته، وسيأتينا -إن شاء الله تعالى- توضيح له في إثبات صفة الكلام لله ﵎؛ لكن المهم هنا أن أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى يثبتون لله المجيء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته، ويقولون: إنها صفات أفعال، فمجيئه إنما هو بمشيئته وإرادته؛ لأن الصفات لله ﷾ على ثلاثة أقسام: القسم الأول: صفات ذاتية يتصف الله بها أزلًا وأبدًا، مثل صفة الحياة والعلم ونحوهما.
القسم الثاني: صفات فعلية ليست أزلية، وإنما هي متعلقة بإرادته ومشيئته، مثل استوائه على العرش، ومثل مجيئه يوم القيامة، ومثل نزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر.
القسم الثالث منها: ما هو ذاتي وفعلي، مثل صفة الكلام لله ﷾، فالله متصف بصفة الكلام أزلًا، وهو ﷾ أيضًا يتكلم إذا شاء متى شاء، فهو ﷾ متصف بهذه الصفة منذ الأزل، وهو ﷾ كلم موسى في ذلك الوقت، أي: بعد أن خلق موسى وكونه في ذلك المكان الذي ذكره الله ﷾ بجانب الطور، وقبل ذلك لم يكلمه ﷾، هذه الصفات التي ذكرناها: صفة المجيء والإتيان وغيرها هي من صفات الفعل التي نثبتها لله ﷾ كما يليق بجلاله وعظمته، ونقول: هي متعلقة بمشيئته وإرادته.
4 / 11