قضاء حقوق: جار ومجرور، ومضاف إليه، للعلى: جار ومجرور، ولم يظهر الجر فيه؛ لأنه مقصور، واللام هاهنا لشبه المِلك، وهي أحد معاني / اللام، قبلي: [١٩ ب]
منصوب بنزع الخافض على أنه ظرف مكان، يعني كأنه قال: على قضاء حقوق للعُلى في طوقي وسعيي، وما أقدر على الإتيان به.
المعنى: أحاول من الزمان بسطة كف من المال المتَّسع لأجل الإعانة على وفاء حقوق استقرّت في ذمتي للعلى، وكنَّى عن الغني ببسطة الكف؛ لأن الغني يبسط كفه بالنفقة، وكل منفق باسط كفه، وما زال الإنفاق يُسمى بسطا، والإمساك قبضا، قال الله تعالى: [وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ] (١)، وقال تعالى: [وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ] (٢).
سؤال: إن قيل ما الفائدة في تثنية اليد هنا، الجواب: إنْ فسّرنا اليد بالنعمة فالمراد نعمة الدنيا والدين، أو الباطنة والظاهرة، أو ما يتعلق بالدنيا والآخرة إن أردنا القوة، فالمراد الاقتدار على الموت والحياة، أو الخذلان والنصر، أو الغنى والفقر، وما أشبه ذلك، فعلى كل تقدير من التفسير يداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، أي يتمكن من إعطاء الدنيا والدين والأمانة والإحياء والإسعاد أو الإشقاء، ردا على اليهود فيما زعموا.
حُكي أنَّ بعضهم كان من المسرفين على أنفسهم، فلمَّا توفي رآه مَن كان يعلم حال باطنه، فقال له: ما فعل الله بك، قال: غفر لي، قال: بمَاذا، قال: كنت إذا تلوت هذه الآية قلت: غُلَّت أيديهم، وأطلت التشديد في اللام، كالمتشفي بهم، انتهى.
رجعنا إلى معنى البيت، قال ﵇: اللهم أعط كل منفق خلفا، وكل ممسك تلفا، وما ظلم الناضم في طلب المال لإنفاقه فيما يكتسب من المحامد، ويقيم به الأمور، قال ﵇: نعم المال الصالح مع العبد الصالح، وقال الحسن ﵁: إذا أردت أن تعرف مِن أين أصاب الرجل ماله فانظر فيما ينفقه، فإن الخبيث يُنفق في السرف، وقال أبو ذرٍّ: أموال الناس تشبه الناس، وروي عنه ﵇ [أنه] (٣) كان يأمر الأغنياء باتخاذ الغنم، ويأمر الفقراء باتخاذ الدجاج، وفي المثل: مال المرء موئله، وقوَّته قُوته (٤)، قال بعضهم: لا أدري أيهما أمر، موت الغني، أو حياة الفقير.
قال الشاعر (٥): (من الطويل)
وما رفعَ النفسَ الدَّنيةَ كالغنى ولا وضعَ النفسَ الشريفةَ كالفقر
_________
(١) المائدة ٦٤
(٢) الإسراء ٢٩
(٣) زيادة من الغيث المسجم ١/ ٢٢٠
(٤) الذي كتب: وفي المثل المرء حوله وقوته، وما أثبتناه من الغيث المسجم ١/ ٢٢٠
(٥) البيت في الغيث المسجم ١/ ٢٢٠، بلا عزو.
1 / 34