إِذا امتَحَنَ الدُنيا لَبيبٌ تَكَشَّفَت ... لَهُ عَن عَدوٍّ في ثِيابِ صَديقِ
مشتكى: مصدر اشتكى يشتكي، والحزن: خلاف السرور، والأنيس: فعيل من الأنس، ومنتهى: مصدر انتهى الشيء إذا بلغ الغاية، قال تعالى: [وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى] (١)، وقال ابن دريد: وكل شيء بلغ الحد انتهى، الجذل، بالذال المعجمة: ضد الحزن.
الإعراب: فلا صديق: هذه لا التي لنفي الجنس، إليه: جار ومجرور، مشتكى: مصدرية موضع رفع على الابتداء، ولم يظهر الإعراب/ لأنه مقصور، حزني: مضاف والياء [١٣ ب] التي هي الضمير للمتكلم في موضع جر، ومشتكى مضاف إلى الحزن، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع نصب على أنه صفة لاسم لا، كان التقدير: فلا صديق سامعا شكوى حزني إليه موجود، والنصف الثاني إعرابه إعراب الأول.
المعنى: ما أجد صديقا يكون مشتكى حزني، ولا أرى أنيسا يكون منتهى فرحي، وهذه حالة تشق على مَن تلبس بها، ألا ترى أن رسول الله ﷺ لمَّا هاجر من مكة، ما خرج منها إلاّ وأبو بكر ﵁ معه؛ ليكون له أنيسا من الوحدة، ورفيقا في الغربة، يركن إليه في المشورة، ويركن به إذا خلا، وكذلك كان معه في الغار، وموسى ﵇ لمَّا أمره الله تعالى بالرسالة إلى فرعون سأل ربه أن يكون معه أخوه، قال: [وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي] (٢) الآية، وقال ﵇: إذا أراد الله بملك خيرا قيّض له وزيرا صالحا، إنْ نسي ذكّره، وإنْ نوى خيرا أعانه، وإنْ أراد شرّا كفّه عنه، وكان أنو شروان يقول: لا يستغني أجود السيوف عن الصقل، ولا أكرم الدواب عن السوط، ولا أعلم الملوك عن الوزير، ولو لم يكن في الصاحب والوزير إلاّ المشورة؛ لكان كافيا، قال تعالى لنبيه سيدنا محمد ﷺ: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ] (٣)، قال الشاعر (٤): (من الطويل)
إذا عنَّ أمرٌ فَاستَشِر لكَ صاحِبًا ... وإنْ كنتَ ذا رأي تشيرُ على الصحبِ
فإني رأيت العينَ تجهل نفسها ... وتدركُ ما قدْ حلَّ في موضع الشهب
وقال الأرجاني (٥): (من البسيط)
شاوِرْ سِواكَ إذا نابَتْكَ نائبةٌ ... يومًا وإن كنتَ من أهلِ المشوراتِ
فالعَيْنُ تَلْقى كِفاحًا ما نأى ودنا ... ولا تَرى نَفْسَها إلا بمِرآة
_________
(١) النجم ٤٢
(٢) طه ٢٩، ٣٠
(٣) آل عمران ١٠٩
(٤) لم أتمكن من معرفة قائله، والبيتان في الغيث المسجم ١/ ١٥٣.
(٥) ديوانه ١/ ٢٤٦ - ٢٤٧
1 / 25