إنَّ الفتى من يقول: ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقولُ كان أبي
قال بعضهم: وجدت مكتوبا على قبر: أنا ابن مَن كانت الريح طوع يده، يحبسها إذا شاء، ويطلقها إذا شاء، قال: فعظم في عيني مصرعه، ثم التفتُّ إلى قبر آخر قبالته، وعليه مكتوب: لا يغترّ أحد بقوله، فما كان أبوه إلاّ بعض الحدادين، يحبس الريح في كيره، ويتصرف فيها، فعجبت منهما يتسابّان ميِّتين.
/ قال: ومما هجا به مجاهد الخياط أبا الحسين الجزار، قوله (١): (مخلع البسيط) ... [٩ ب]
إنْ تاهَ جزارُّكم عليكم بفطنةٍ في الورى وكَيسِ
فليس يرجوه غير كلب ... وليس يخشاه غير تيس
ومن بديع شعره، أي أبا الحسين الجزار المذكور قوله (٢): (البسيط)
إني لمن معشرٍ سفك الدماء لهم ... دأبٌ وسلْ عنهُمُ إنْ رُمت تصديقي
تضيء بالدم إشراقا عِراصهمُ ... فكل أيامهم أيام تشريق
فيمَ الإقامُة بالزوراءِ لا سَكَني ... بها ولا ناقتي فيها ولا جَملي
اللغة: الزوراء: بغداد، وسميت بذلك لانحراف قبلتها، وتُسمى دار السلام، قيل: لأن دجلة يسمى السلام، وقيل: لأنه يُسلَّم فيها على الخلفاء، وهي بلدة أحدثها المنصور من بني العباس، سنة أربعين ومائة، ونزلها في سنة ست وأربعين، والسكن: ما يسكن إليه الإنسان من زوج أو غيره، وبقية البيت مثل من أمثال العرب، الأصل فيه أن الصَّدُوف العدوية كانت تحت زيد بن الأخنس العدوي، وله بنت من غيرها تُسمى الفارعة، وكانت تسكن بمعزل عنها، في خباء آخر، فغاب زيد غيبة، فلهج بالفارعة عدوي، يُدعى شبيبا، وطاوعته، وكانت تركب كل عشية جملا لها، وتنطلق معه إلى ثنية يبيتان فيها، ورجع زيد عن وجهته، فعرّج على كاهنة اسمها طريفة، فأخبرته بريبة في أهله، فأقبل سائرا لا يلوي على أحد، وإنما تخوّف على امرأته حتى دخل عليها، فلما رأته عرفت الشرّ في وجهه، فقالت: لا تعجل واقف الأثر، لا ناقة لي في هذا ولا جمل، فصار ذلك مثلا يُضرب في التبرِّي عن الشيء.
قال الراعي (٣): (من البسيط)
/وَما هَجَرْتُكِ حَتّى قُلتِ مُعلَنَةً ... لا ناقَةٌ لِيَ في هَذا وَلا جَمَلُ ... [١٠ أ]
_________
(١) البيت الأول في الغيث المسجم ١/ ١٠٢، والبيتان معا في النجوم الزاهرة، ص ٤٣٠٩ / الموسوعة الشعرية، وفي ذيل مرآة الزمان، ص ١٦٩٦ / الموسوعة الشعرية.
(٢) البيتان في الغيث المسجم ١/ ١٠٢، وفي نصرة الثائر على المثل السائر، ص ٤٦٦ - ٤٦٧/ (م)، وفي فوات الوفيات ٤/ ٢٨٨
(٣) ديوانه، ص ١٩٨، وفيه: وما صرمتك.
1 / 19