شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - حطيبة

Ахмад Хатыба d. Unknown
59

شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - حطيبة

شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - حطيبة

Жанры

الأدلة على فضل الحج من الكتاب والسنة جاءت أحاديث عن النبي ﷺ كثيرة في فضائل الحج، وفي القرآن قال الله ﵎: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران:٩٧]. وفي الصحيحين: عن أبي هريرة ﵁: (أن رسول الله ﷺ سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)، فأفضل العمل الإيمان، ويلي ذلك الجهاد في سبيل الله ﷿، ويليه الحج المبرور. وفي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، فالذي يحج ولم يفسق ولم يرفث -والرفث معناه: الجماع أو مقدمات الجماع والكلام عن النساء والشهوات ونحو ذلك، والفسق: هو معصية الله ﷾ فالذي يحج ولم يقع منه رفث ولا فسوق رجع كيوم ولدته أمه. ورواه الترمذي بلفظ: (من حج فلم يرفث ولم يفسق غفر له ما تقدم من ذنبه). وفي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، والحج المبرور هو الذي جمع خصال البر، وهو الذي لم يعص الله ﷾ فيه. إذًا: حج حجًا مبرورًا أي: بر في حجه ولم يعص الله سبحانه، وأيضًا: حج وأكمل حجه وأحكامه فوقع موافقًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل. وروى البخاري عن عائشة أم المؤمنين ﵂ أنها قالت: (يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال النبي ﷺ: لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور)، ورواه النسائي بلفظ: (قلت: يا رسول الله! ألا نخرج فنجاهد معك؛ فإني لا أرى عملًا في القرآن أفضل من الجهاد؟ قال ﷺ: لا، ولكن أحسن الجهاد وأفضله حج البيت حج مبرور) قوله: (لكن) بصيغة الخطاب للنساء، أي: لكن أيها النساء، أو لكن بلفظ الاستدراك، أي: يستدرك ذلك، ورواية البخاري فيها روايتان: (لكِنَّ) و(ولَكُنَّ)، وبعض أهل العلم رجحوا واحدة والبعض رجح الثانية. والحديث رواه ابن ماجة وأحمد بلفظ: (قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد) ولاحظ لفظ (عليهن) فإنه يفيد الوجوب، قال: (عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) فإذا كان على النساء العمرة إذًا، فالرجل من باب أولى أن يكون عليه عمرة. وروى مسلم عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)، فالله ﷾ يباهي بعباده الملائكة، والملائكة قد قالوا قبل ذلك: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة:٣٠]، فيعجب الملائكة من أنهم أساءوا الظن فيهم، فيريهم الله ويباهي الملائكة بهؤلاء الذين زعمتم أنهم يفسدون فقد جاءوا شعثًا غبرًا يطلبون مغفرة الله ورضوانه سبحانه. وروى الترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)، والمعنى: يزيلان الفقر والذنوب عن الحاج وعن المعتمر، فالله ﷿ وعده بأن يغنيه ﷾ فيعطيه إما غنىً في قلبه فلا يحتاج إلى أحد، ويرى نفسه غنيًا حتى ولو لم يكن معه مال، أو أنه يعطيه مالًا ليأخذه ويغنيه ﷿ بذلك، وهذا مشاهد معروف. فقوله: (ينفيان) أي: يزيلان الفقر الظاهر بحصول غنى في اليد، وكذلك الفقر الباطن بحصول غنى في القلب. (كما ينفي الكير خبث الحديد)، وهي آلة الحداد التي ينفخ فيها النار ليعدل الحديد ويصنع منه أشياء، ويزيل الخبث من الحديد ومن الفضة ومن الذهب، أي: الوسخ الذي فيها، قال: (وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة)، فالحج المبرور ليس له إلا هذا الثواب. والمعنى: هذه الحجة ثوابها الجنة عند الله ﷿، فلها أعظم وأفضل الجزاء الذي تتوق إليه نفس كل إنسان مؤمن.

4 / 3